علاقة وثيقة تجمع الركود الاقتصادي بتزايد الاكتئاب
هل فاتتنا التكلفة الحقيقية للركود العظيم للعامين 2008 و2009؟ يبدو السؤال غريبا: الأزمة المالية والركود العميق الذي تلاها والنمو البطيء لسنوات عديدة بعد ما يبدو وكأنه الأحداث الاقتصادية التي حددت ملامح جيل بكامله – لكن الأمر ليس كما لو كنا نتجاهل تلك القضايا.
ربما أننا لم نأخذ عملية الركود على محمل الجد التام. هذا هو استنتاج جان- إيمانويل دي نيف، وهو خبير اقتصادي في جامعة كلية لندن وكلية لندن للاقتصاد. يقول دي نيف إن هناك "قصة لم ترو" عن الركود، وهي تكلفته النفسية. بلغة واضحة: حالات الركود تجعلنا نشعر بالحزن الشديد.
قد يبدو من الواضح أن حالات الركود تعتبر تجارب محبطة. إلا أنها ليست كذلك، لسبب بسيط وهو أن الارتباط بين النمو الاقتصادي والسعادة يعتبر أمرا غير واضح في حد ذاته.
وكان الاستهلال في معركة فكرية طويلة حول هذه المسألة قد أطلق من قبل ريتشارد إيسترلين، الخبير الاقتصادي الذي وجد في عام 1974 أن الأشخاص الأكثر ثراء في أي مجتمع يغلب عليهم أن يكونوا أكثر شعورا بالرضا عن حياتهم، لكن المجتمعات الأكثر ثراء لم تظهر أي ميل إلى أن تكون أسعد من تلك الفقيرة. وعلى هذا النحو ولدت "مفارقة إيسترلين": المال يشتري السعادة داخل مجتمع ما، لكنه لا يجعل المجتمع ككل أكثر سعادة.
هناك عدة طرق لتفسير هذه النتيجة. أحدها هو القول إنها غير صحيحة: إن البيانات المتعلقة بالرضا عن الحياة لم تكن جيدة جدا في عام 1974 والآن نحن أكثر وعياً بهذا الأمر عما كنا من قبل. البحوث التي أجريت أخيرا من قبل بيتسي ستيفنسون وجوستين ولفرز تجد أنه لا يوجد تناقض، المجتمعات الأكثر ثراء تعتبر أكثر سعادة. والرد الثاني هي أن كل شيء يتوقف على ما تعنيه بكلمة "السعادة". الاقتصادي إنجوس ديتون والطبيب النفساني الفائز بجائزة نوبل التذكارية في الاقتصاد، دانيال كانيمان، وجدا أن الدخل يعتبر أفضل في شراء بعض أشكال السعادة من غيرها. يقول الناس في المجتمعات الغنية إنهم أكثر رضا عن حياتهم، ولكن هذا لا يعني أنهم من يوم لآخر سيكونون في مزاج أفضل. وثمة تفسير ثالث وهو القول إن ما أظهره إيسترلين هو أننا نعيش في سباق الفئران بمعنى أن ما يجعلنا سعداء ليس المال بل الشعور بأننا أكثر ثراء من جيراننا. إنه سباق لا يستطيع كل شخص أن يفوز فيه.
هذه هي الخلفية التي بدأ من خلالها دي نيف وخمسة من زملائه التحقيق في تأثير الركود على رفاهيتنا. عندما تنظر في استطلاعات الرضا عن الحياة، عادة ما يصنف الناس في الدول الغنية ارتياحهم بـ 6.5 أو 7 من أصل عشرة. والأجوبة مستقرة، بالكاد تتغير مع نمو الاقتصادات. قد يتوقع المرء أنه سيكون من الصعب الكشف عن تأثير الركود - من انكماش الاقتصاد - على نحو مماثل في استطلاعات الرضا عن الحياة. ولكن قبل عامين كان دي نيف يجلس في مكتب شركة جالوب للاستطلاعات في بروكسل، يراجع أحدث البيانات عن الرضا عن الحياة مع الزملاء. وكان شيئا غريبا قد حدث، اختفت كل من اليونان والبرتغال.
وبالفحص الدقيق تبين أنه لا يمكن للباحثين إيجاد اليونان والبرتغال على الرسم البياني لأن البلدين خرجا من مجموعة دول الاتحاد الأوروبي وفجأة كانا يُبلِغان عن الرضا عن الحياة بمستوى نحو 5 أو 5.5، على قدم المساواة مع أفغانستان. وكانت كل من اليونان والبرتغال قد عانت تقلصات شديدة، ولكن ليست بتلك الشدة التي تصنفهما في أي ترتيب بالقرب من أفغانستان. فما الذي حدث؟
يعتقد دي نيف وزملاؤه أن تأثير النمو الاقتصادي في السعادة هو تأثير غير متوازن للغاية. ويستند تحليلهم الإحصائي إلى عدة مجموعات للبيانات الدولية الكبيرة تجري مسوحات الرضا عن الحياة، ويستنتج التحليل أن السعادة أكثر حساسية للنمو الاقتصادي بنحو ست مرات حين يكون ذلك النمو سلبياً. إذا كان لديك ست سنوات من الاقتصاد الذي ينمو بنسبة مئوية بسيطة سنويا، تليها سنة واحدة ينكمش فيها الاقتصاد بنسبة 2 في المائة، فإن الاقتصاد نفسه قد يحقق تقدما كبيرا ولكن رفاه المواطنين لن يتحقق.
تعتبر هذه ورقة بحثية واحدة فقط، ولكنها تنسجم مع دراسة أجراها ولفرز، وهو خبير آخر في اقتصادات السعادة عام 2003. وجد ولفرز أنه عندما كانت المؤشرات الاقتصادية الكلية مثل التضخم أو البطالة متقلبة، ارتبط ذلك التقلب بانخفاض الرضا عن الحياة.
ما الذي يمكن أن يفسر التأثير غير المتناسب للركود السعادة؟ هناك نتيجة طويلة المدى في علم النفس تبين أن الخسائر يتم الشعور بها أكثر من المكاسب، ولذلك ربما يكون هذا هو الجواب. لكن النفور من الخسارة ليس هو التفسير الوحيد لشعور الكآبة الذي يسببه لنا الركود. التفسير الآخر هو أن عمليات الركود ترتبط مع زيادة في عدم اليقين. وعدم اليقين أمر مزعج في حد ذاته - لكنه أيضا لافت للانتباه. عندما ينمو الاقتصاد، فإننا نأخذ ذلك بمثابة أمر مفروغ منه. الركود، مع تسريح العمال وعمليات الإنقاذ، والإفلاس وميزانيات الطوارئ، هو أمر أكثر وضوحا بكثير.
لعل الصلة بين الاقتصاد والرفاهية بسيطة، حين يفعل الاقتصاد شيئاً نلاحظه، فإن ذلك يؤثر في الطريقة التي نشعر بها – وحالات الركود الاقتصادي لديها عادة في أن تلفت أنظارنا عند وقوعها. وهذا يشير إلى مفارقة جديدة للسعادة. فحتى رغم أننا ربما نكون قد قللنا من التكاليف النفسية للركود، إلا أن هذه التكاليف ستكون أقل لو أننا فقط توقفنا عن الحديث عنها.
(المصدر: فاينانشال تايمز 2014-10-29)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews