عملات الدول المتقدمة والناشئة تدخل في حرب باردة
يعني مفهوم ومصطلح "حرب العملات" خفض الدول لقيمة عملاتها أو سعر صرف عملتها بما يعمل على دفع الاقتصاد والنمو وزيادة معدل التضخم وزيادة الصادرات والحد من استيراد السلع والمنتجات من الخارج وكذا الحد من ظاهرة الركود والانكماش... ومع استمرار العديد من حكومات الدول المتقدمة والناشئة في عمليات طبع النقود بهدف تحفيز اقتصاداتها المتعثرة، وما يترتب على ذلك من تقلبات في أسعار صرف عملات هذه الدول، والتي يستغلها بعض المضاربين في تحقيق أرباح رأسمالية من خلال فروق أسعار صرف هذه العملات، ومن ثم يكون على من يرغب في الحصول على أعلى وأفضل الأرباح معرفة اللاعبين الكبار في سوق العملات ومتابعة تحركاتهم وطريقة إدارتهم لمعركة أسعار الصرف.
ولقد أدت تقلبات أسعار صرف عملات الدول إلى مضاعفة أحجام التداول بأسواق العملات خلال الشهور القليلة الماضية، حيث نشطت العديد من المصارف والمؤسسات المالية الكبرى والأفراد، للمشاركة في الرهان على تقلب أسعار هذه العملات، بيعاً وشراءً، لعملات معينة في مواجهة عملات أخرى، سواء كان ذلك لنفسها أو لعملائها الذين يأملون في تحقيق المزيد من الأرباح من وراء حرب حكومات العالم في ميدان سوق العملات.
كما أسهمت كذلك التدخلات الحكومية، متمثلة في تنفيذ برامج التحفيز المالي لتنشيط الطاقات الإنتاجية ومن ثم خلق تحركات مؤثرة للعملات العالمية الرئيسية، كالدولار واليورو والإسترليني والين واليوان، وما ترتب على ذلك من إحداث حالة من القلق والتوتر بالاقتصاد العالمي، مع مراعاة أن الدول التي تسعى لخفض قيمة عملاتها تكون في المعتاد هي الدول صاحبة المديونيات الضخمة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، أو تلك الدول الساعية لزيادة صادراتها إلى الخارج كالصين والبرازيل وروسيا.
وفي ظل تصاعد حديث البنوك المركزية الكبرى مؤخراً عن خفض قيمة عملاتها ومن ثم سعر صرفها، فقد هدد صناع السياسات النقدية في العديد من دول العالم بخفض مماثل بقيمة عملاتها.... كما أعلن "ماريو دراجي" رئيس البنك المركزي الأوروبي أوائل هذا الشهر أن قوة عملة اليورو ليست مستحبة وأنها تمثل مصدر قلق شديد للبنك، بما سيدفع البنك نحو تخفيف سياساته النقدية الرامية لزيادة معدل التضخم، وقد أبدى البنك المركزي البريطاني قلقه من استمرار قوة الجنيه الإسترليني بما يهدد التعافي الاقتصادي الضعيف بالبلاد.
ولم تقتصر حرب العملات على البنوك المركزية المتقدمة فقط، بل دخلت دول الأسواق الناشئة في هذا الصراع، حيث زاد البنك المركزي لكوريا الجنوبية من شرائه للدولار بهدف خفض قيمة عملة البلاد، كما قام البنك المركزي الكولومبي بشراء المزيد من الدولارات، وخفضت تركيا من سعر صرف عملتها، وكذا خفض البنك المركزي الهندي قيمة الروبية، وبدأت البرازيل في الحد من برنامج المقايضة السابق لدعم الريال البرازيلي.
ويرى الكثير من الخبراء الاقتصاديين والماليين أن إضعاف الدول لقيمة عملاتها يعد إحدى الوسائل المهمة والفعالة التي تجب عليها الاستعانة بها في مواجهتها لانخفاض معدل التضخم، وإن أبدى هؤلاء الخبراء تخوفهم وخشيتهم من انتهاز العديد من هذه الدول التي تعاني من ظاهرة انخفاض معدل التضخم الفرصة للانضمام إلى الدول الساعية إلى إضعاف قيمة عملتها، ومن ثم إمكانية تحول الأمر إلى حرب عالمية للعملات، سواء على صورتها السافرة أو على صورة حرب باردة.
فيما يؤكد فريق آخر من الخبراء الاقتصاديين أن العالم سوف يشهد، لا محالة، زيادة التوترات بين الدول وبعضها البعض، في ظل إصرار البنوك المركزية بالدول الكبرى على الإعلان عن نيتها بوضع وتنفيذ بعض السياسات النقدية التي تهدف إلى إضعاف عملاتها، وما يعكسه ذلك من قلق وتوتر بالبنوك المركزية لدول الأسواق الناشئة التي ستقع بالتأكيد في مرمى نيران تلك الحرب.
إلا أنه يوجد شبه إجماع بين الخبراء والمحللين الاقتصاديين والماليين على أنه رغم حالة عدم الاستقرار بالأسواق فإن حرب العملات مازالت احتمالاً بعيد الحدوث وأنها حتى الآن تحت السيطرة والتحكم، ويرجع الفضل في ذلك إلى التنسيق الدائم بين السياسيين وقادة الدول فيما يتعلق بهذا الشأن، حتى وإن استمرت بعض التقلبات في أسعار صرف عملات هذه الدول وخفض قيمتها، لإدراك هؤلاء القادة والسياسيين بأن بديل ذلك هو حرب عملات شاملة يمكن أن تدمر الاقتصاد العالمي الذي مازال يعاني الضعف والهشاشة، الأمر الذي فرض على الجميع السعي الدائم للعمل على تجنب هذه الحرب.
(المصدر: الشرق 2014-10-29)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews