البطالة .. النوعية لا الكمية
هذه ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن البطالة، والتي هي أحد أبرز تحديات التنمية الوطنية، إن لم تكن الأبرز. البطالة التي طالما تحدث عنها الاقتصاديون عن إنها أحد الشرور التي تواجه الاقتصادات حول العالم إلى جانب التضخم. ما دفعني لكتابة هذا المقال هو الإحصائية الجديدة التي تتحدث عن انضمام أكثر من 286 ألفاً إلى عداد الباحثين عن فرص عمل. ورغم وجود العديد من الإحصائيات سواء الرسمية أو غير الرسمية عن حجم المشكلة وأبعادها إلا أننا اليوم نلقي الضوء على جانب النوع لا الكم.
إن أكثر التقارير عن البطالة، هي تقارير كمية وتظهر تضاربا واضحا بين الأرقام الصادرة من مصلحة الإحصاءات، ووزارتي العمل والخدمة المدنية. ورغم الاختلافات الظاهرة بين الجهات الثلاث، إلا أنه وبقراءة ما بين السطور والتحليل الدقيق للأرقام وربطها بالتداعيات على الشارع فإن البيانات الصادرة تثير الكثير من الأسئلة بدلا من إعطاء الأجوبة. فثمة أسئلة كثيرة عن البطلة قلما تطرح، وإن طرحت قل الالتفات إليها. فمثلا، إن كانت البطالة تعرف على إنها جميع من بلغوا سن العمل وهم يبحثون بجدية عن فرصة للعمل، فما هو تعريف الجدية الذي نتحدث عنه في هذا الإطار؟ وإن كنا نتحدث عن وجود أعداد كبيرة غير مستوعبة بسبب تشبع سوق العمل من بعض التخصصات، فلماذا لا نقوم بتوجيه حلولنا نحو إيجاد فرص جديدة تجاري الواقع المتغير في تلك التخصصات؟ وما القدرة الاستيعابية السنوية في سوق العمل لكل من تلك التخصصات؟ وإن كنا نتحدث عن عزوف الشباب عن دخول العديد من القطاعات الأخرى فلماذا لا نقوم بإعادة النظر في تلك القطاعات وجعلها أكثر جاذبية؟ وهل يكمن الحل في الضغط على القطاع الخاص لإيجاد الوظائف؟ مع العلم أن أبرز نتائج هذا الضغط خلال السنوات الماضية كان انفجار مشكلة البطالة الوهمية، والتي هي أشد ضررا بمراحل من مشكلة البطالة ذاتها؟ أم هل يكمن الحل في إيجاد بديل مثل دعم بشكل جديد وآليات مختلفة للمنشآت الصغيرة؟ والتي كانت من أبرز الحلول التي اعتمدت عليها بعض الحكومات لمواجهة المشكلة.
إن الدول في حلها للملفات الشائكة تنتهج دوما إما الحلول القصيرة الأمد أو الحلول الجذرية، وأحيانا تكون الحلول القصيرة الأجل مرحلة أولى لخطة أشمل تصل بنا في النهاية إلى نسب مستهدفة واضحة للبطالة، ومن الطبيعي أن تكون جميع مراحل الخطة الشاملة واضحة من البداية، وبالنسبة لملف البطالة، والذي تم فتحه والعمل به منذ سنوات طويلة، فمن المفترض أن تكون المرحلة الراهنة مرحلة قطف الثمار أو على الأقل نكون قد وصلنا إلى مرحلة الاستقرار في سوق العمل، بمعنى أن تكون البطالة ضمن نطاقات ضيقة، لا تتأثر كثيرا إلا في حال وجود حدث يؤثر على الاقتصاد الكلي. ومن المؤكد أنه لا يمكننا العودة كل مرة لبناء الخطط، فنحن في كل مرة نقوم بإعادة صياغة الخطط نفاقم المشكلة بخسارة الميزانيات والجهود التي وضعت، والمهم من ذلك كله زيادة المشكلة تعقيدا.
وأتساءل هنا، هل نقوم بتعليم أبنائنا وصرف كل تلك الميزانيات عليهم من أجل أن يقعوا في براثن البطالة بعد رحلة تعليمية استغرقت 13 عاما على الأقل؟ وإن كان أبناؤنا بالدرجات العلمية التي يحملونها غير مؤهلين بما فيه الكفاية، فلماذا نتحمل عناء استثمار خاسر؟ وهل أعطيناهم الفرصة ليثبتوا أهليتهم قبل أن يتم الحكم عليهم؟
اليوم وبعد كل تلك الخطط المعلن عنها والمنفذة على أرض الواقع، نسأل عن الأسباب وعما ستؤول إليه الأمور، خصوصا إذا ما علمنا أن حلولنا للبطالة بطريقتها الحالية بالتركيز على الجانب الكمي، ما هي إلا وقود لموجة جديدة من البطالة تشمل أولئك الذين اكتسبوا لقب موظف دون أن تفي الوظيفة بأدنى متطلبات الحياة الكريمة، أم الخريجات اللواتي تفوقن كل تلك السنوات وانضممن إلى عداد طالبي الوظائف ليقمن في النهاية بشغل وظائف أبعد ما تكون عن مستوى التعليم وقدراتهن المكتسبة خلال رحلة علمية طويلة. نتحدث اليوم ونحن ننعم بإحدى أزهى الفترات الاقتصادية في تاريخ البلاد، فإن لم نجد الحلول اليوم ونعالج المشكلة في ظل الرخاء الذي نعيشه، فمتى نستطيع ذلك؟
(المصدر: الاقتصادية 2014-09-25)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews