الوحدة الوطنية تحمي لبنان من كل خطر وسقوطها يفتح أبوابه لكل خارج
يقول سياسي مخضرم عاصر عهوداً كثيرة إن المشكلة في لبنان ليست مشكلة قوانين وأنظمة ولا حتى دساتير، إنما هي في الحقيقة مشكلة وحدة داخلية عندما تكون موجودة تنفذ القوانين وتحترم أحكام الدستور ولا تبقى القرارات حبراً على ورق، وعندما لا يكون وجود لهذه الوحدة فلا قوانين تطبق ولا دساتير تحترم ولا حتى أحكام القضاء تنفذ. فالوحدة الداخلية هي التي أتت باستقلال لبنان وهي التي حافظت عليه، وإلا كان لبنان سيظل تحت الانتداب الفرنسي أو أصبح جزءاً من سوريا.
لذلك فإنه كلما تصدعت الوحدة الداخلية الوطنية تعذّر على أي رئيس للجمهورية وعلى أي حكومة اتخاذ القرارات المهمة ولا سيما في القضايا المصيرية. فلو أن هذه الوحدة كانت موجودة لما تعذر اتخاذ قرار بإخراج الفلسطينيين المسلحين من منطقة العرقوب عندما دخلوا اليها وعرفت بـ"فتح لاند"، وأدى عدم التوصل الى اتفاق على اتخاذ هذا القرار إلى استقالة الحكومة وإلى ازدياد عدد هؤلاء الفلسطينيين وانتشارهم في غير منطقة في لبنان ولا سيما في الجنوب، ليصبحوا في ما بعد دولة داخل الدولة وتعذر التوصل الى ضبطهم حتى بعد عقد "اتفاق القاهرة"، فكانت الحرب اللبنانية – الفلسطينية ثم الحرب اللبنانية – اللبنانية التي دامت 15 سنة ووصفها عميد "النهار" غسان تويني، رحمه الله، في حينه بـ"حرب الآخرين على ارض لبنان". ولم تكن حوادث 58 لتقع لو لم تسقط الوحدة الداخلية، فانقسم اللبنانيون بين من هم مع "التيار الناصري" ومن هم ضده، وانقسموا مرة اخرى لغياب هذه الوحدة بين من يؤيد استمرار الوصاية السورية على لبنان ومن يعارض استمرارها ويطالب بتنفيذ "اتفاق الطائف" الذي حدد مدة هذه الوصاية بسنتين فقط، فأصبحت ثلاثين سنة... وانهارت الوحدة الوطنية الداخلية عندما انقسم اللبنانيون فريقين، فريق 8 آذار الذي أراد أن يبقي على وصاية سورية مقنّعة من خلال إقامة سلطة في لبنان تلبس هذا القناع، وفريق 14 آذار الذي يرفض ذلك بشدة ويريد أن يعود لبنان دولة سيدة حرة وقرارها مستقل. ولم يعد الصراع بين الفريقين سياسياً فقط بل صار مذهبياً وقد زاده تسلّح "حزب الله" حدة، وظلت الوحدة الوطنية صامدة في حرب تموز 2006، على رغم أن هذه الحرب قررها فريق لبناني واحد ومن دون علم شريكه الآخر، ولو لم تظل هذه الوحدة قائمة في مواجهة العدو الاسرائيلي لكانت نتائج تلك الحرب مختلفة. وتصدعت الوحدة الوطنية عندما قام خلاف حول المحكمة الخاصة بلبنان للنظر في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، وزاد عدم تسليم المتهمين بارتكاب هذه الجريمة الشرخ السياسي والمذهبي بين اللبنانيين.
وغياب الوحدة الوطنية الحقيقية حال دون تنفيذ قرارات صدرت بالاجماع عن هيئة الحوار الوطني لأن 8 آذار المتعاطفة مع سوريا لم تر في تنفيذها ما يرضي الجارة سواء لجهة إزالة المواقع العسكرية للفلسطينيين خارج المخيمات وضبط السلاح داخل المخيمات، وسواء لجهة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا لأن ترسيمها يكرس ملكية مزارع شبعا للبنان ويخرج الاحتلال الاسرائيلي منها.
ولم تتمكن أي حكومة من تنفيذ القرار 1701 الذي صدر عقب حرب تموز 2006 بسبب الخلاف بين 8 و14 آذار على تنفيذه، لا سيما ما يتعلق بضبط الحدود مع سوريا لمنع مرور الأسلحة إلى داخل لبنان لأن لا مصلحة لإيران ولا لسوريا في منع مرور هذه الاسلحة إلى "حزب الله" وإلى غيره من المجموعات. فلو أن اللبنانيين كانوا موحدين لاستطاعوا تنفيذ هذا القرار تنفيذاً دقيقاً كاملاً، ولما كان لبنان يعاني ما يعانيه اليوم من فلتان على حدوده ولا يعرف كيف يضبطه، لأن 8 آذار ترفض الاستعانة بقوات دولية عند الحاجة لتساعد الجيش اللبناني على ضبطها بحجة أنه لا تجوز المساواة بين حدود لبنان مع العدو الاسرائيلي وحدوده مع الشقيق السوري... وهكذا أصبحت الحدود اللبنانية مع اسرائيل هادئة بفضل وجود الجيش والقوات الدولية وموافقة كل القيادات اللبنانية على ذلك، والحدود اللبنانية – السورية مضطربة لأنها ظلت سائبة، ويدفع لبنان اليوم ثمن ذلك دم جنوده في الجيش، وفي قوى الأمن الداخلي.
وأخطر ما حصل بسبب غياب الوحدة الداخلية وانقسام اللبنانيين هو عدم التزام سياسة النأي بالنفس تقيّداً بإعلان بعبدا الذي وافق عليه أقطاب الحوار بالاجماع، فكان تدخل "حزب الله" عسكرياً في الحرب السورية خلافاً لرأي الحكومة ورئيس الجمهورية وقسم كبير من اللبنانيين، وهذا ما جعل الرئيس أمين الجميل يقول في عشاء أقامه إقليم الكتائب في الكورة: "إننا في هذه الظروف في أمسّ الحاجة الى الوحدة، وحدة كل اللبنانيين". فهل من مجيب؟
( المصدر : النهار2014-09-23)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews