الفصل العنصري وأفول المدن الأميركية
في 1904، كانت مدينة سانت لويس، في ميسوري، في المرتبة الرابعة سكاناً بين المدن الأميركية، وهي اليوم في المرتبة الثالثة والخمسين. فهي كانت مطلع القرن العشرين مدينة قديمة، ينهض اقتصادها وصناعتها على نهر الميسيسيبي. وبدأ أفولها عشية الحرب العالمية الأولى، أي قبل معظم المدن الأميركية، واستعاضت بالسكة الحديد عن التجارة النهرية، وهمّشها نمو مدن مثل شيكاغو وديترويت. وفي ذلك الوقت، اجتمع السكان السود في حي المدينة الشمالي، وفي جيوب قليلة في المقاطعة ولم يتجاوز السود 5 في المئة من عدد السكان. وهم جاؤوا مع موجة الهجرة الكبيرة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، في إطار انتقال السكان السود خارج الجنوب وصوب مراكز مدن الشمال، غداة نهاية الرق والحرب الأهلية. وحملهم على الهجرة ازدهار الصناعة والأمل بالعمل.
وحصلت، في 1917، انتفاضة عرقية في شرق سانت لويس، غداة التمييز في الاستخدام والسكن وعنف الشرطة، وأفزعت الانتفاضة السكان البيض. وبينما كانت الحرب العالمية الأولى في مرحلتها الأخيرة، انتهجت الحكومة الأميركية سياسة قيدت فرص تملك السود، وحالت عمداً دون سكنهم في أنحاء المدينة، وتبنّت البلدية حصر السكن الملون في أحياء من دون غيرها من سانت لويس. لكن المحكمة العليا أبطلت القرار البلدي. فتولّت الشركات العقارية إنفاذه بواسطة عقود خاصة انتهت إلى النتيجة نفسها: قصر سكن السكان السود على شمال المدينة. واستقرت الحال على هذا إلى حين مبادرة المحكمة في 1947، إلى البت في ربط نزاع مسرحه سانت لويس.
جاء البت متأخراً. فمعظم هجرة الأفارقة- الأميركيين إلى سانت لويس حصل أثناء الحرب العالمية الثانية، وفي إطار سياسة الفصل والتمييز، وإقامة السود في أحياء محددة.
نزح البيض من جوار هذه الأحياء، وقصدوا الضواحي. واختاروا السكن في جهات يسعهم شراء مساحات واسعة فيها، وتشييد منازل كبيرة. وهذا ليس في متناول السود، ما أدى إلى تجديد التمييز من طريق المداخيل. فانقسمت سانت لويس شطرين: الضواحي الميسورة البيضاء، وقلب المدينة الأسود الفقير. ويؤرخ انهيار سانت لويس بهذا الوقت. فيومها بلغ عدد سكانها 900 ألف (وهي تعد اليوم 300 ألف)، أي ذروتها التاريخية. وأدى تردّي خدماتها ببعض سكانها إلى تركها والهجرة منها. وفي خمسينات القرن العشرين وستيناته، غادر السكان البيض المدينة. وفي سبعيناته، قصد السود مدناً وضواحي مثل فرغسون (حيث قتل الشاب الأسود في 9 آب- أغسطس المنصرم) على أمل الحظوة بشروط إقامة أفضل، فتسارع نزوح البيض من هذه المدن والضواحي إلى غيرها.
وخلّفت حركة الحقوق المدنية، في الستينات، بعض الأثر في سانت لويس، على رغم توجهها أولاً إلى مدن الجنوب، وطرحها مسألة القيود على الاقتراع والتعبير السياسي. فلم تتناول مسألة السكن إلا لاحقاً. وقضت المحكمة العليا عام 1968، بالتضييق على التمييز في السكن، من غير مفعول ملموس. فلم يتعلق الأمر يومها بالقوانين والإجراءات القضائية بل بنزوح السكان البيض من ضاحية الى أخرى، وحلول سكان سود أقل يسراً محل النازحين. فتعاظمت الفروق بين الضواحي وغالبياتها، البيضاء أو السوداء، الساحقة. وبُذلت جهود في سبيل بناء وسط جديد في سانت لويس، غير أنها لم تحل دون أفول المدينة. وأمل المسؤولون بزيادة السكان بين عامي 2000 و2010، من غير طائل.
ولم تعر ولاية ميسوري انتباهاً إلى مدنها، أكانت سانت لويس أم كانساس سيتي. والتنظيم السياسي على مستوى الولاية يغمط تمثيل المدن ثقله السكاني. وشطر غالب من هذه المدن أسود. لذا تحظى الضواحي الجديدة، البيضاء، بامتيازات تحرم منه نظيرتها. وليست حال سانت لويس فريدة. فثمة مدن صناعية قديمة، مثل ديترويت وكليفلاند وسانسيناتي وبيفالو، خسرت نصف سكانها في غضون جيلين. والفصل العنصري واحد من عوامل هذا الأفول. والإستراتيجيات العقارية اضطلعت بدور في الفصل. ومقاومة الأفول تقتضي تصدّي قطب سياسي على مستوى الولاية وحاضرتها. وإذا تولى الحوكمة مثل هذا القطب السياسي أمكن التخطيط أو التمهيد لاختلاط تدريجي، ولنهج ضريبي متوازن يحول دون تردي النظام التعليمي في أوساط اجتماعية فقيرة.
( لوموند 2014-09-13 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews