حان وقت جلوس الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طاولة السلام
على سطح الأحداث، تبدو حرب غزة التي شهدها هذا الصيف وكأنها تكرار لما وقع قبل عامين في 2012. الصواريخ الغزاوية على إسرائيل، والقصف الإسرائيلي على غزة، والاتهامات المتبادلة بين الطرفين حول من الجاني ومن بدأ القتال - حتى مقاربات الخسائر المدنية والعسكرية تبدو، وبشكل مخيف، متماثلة. لا عجب في أن الكثيرين ممن يهتمون بأمر الفلسطينيين، أو ممن يهتمون بأمر الإسرائيليين أو (أجل، من يهتمون بأمر كليهما)، بدت أحداث ذلك الصيف بالنسبة إليهم كعودة لا نهائية لذات النقطة، على نحو ما تصوره نيشته من قبل: التكرار، والدوران الذي لا طائل منه.
وفي واقع الأمر، ورغم ذلك، فإن تلك الجولة من العنف على قطاع غزة جاءت بصورة مختلفة - ويأتي معناها من زاوية تأطير السياسات متباينا بنحو مماثل كذلك. فوضعية حماس الإستراتيجية مختلفة تماما عما كانت عليه في عام 2012. فقد اندلعت تلك الحرب نظرا لأن الربيع العربي بدا وكأنه يبشر بعهد جديد من الإسلام الشعبوي، ذي الصبغة الديمقراطية. ووقعت الحلقة الجديدة لعام 2014 من ذات الصراع على أثر الفشل الذي مني به الربيع العربي - وبسبب أن، وبعيدا عن تونس الصغيرة، الآمال العربية في الديمقراطية ولدت ميتة من الأساس.
قبل عامين، كانت حركة حماس تعتلي موجة عالية من القوة الناشئة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وامتلأت بالأمل في إقصاء حركة فتح والحلول محلها كممثل شرعي وديمقراطي للشعب الفلسطيني. ورحبت بالقتال مع إسرائيل سبيلا لتعزيز مركزها التفاوضي وجها لوجه في مقابل حركة فتح، وبكل تأكيد إسرائيل أيضا. وبالوقوف في مواجهة إسرائيل، كانت حركة حماس تقتبس صفحة من كتاب عمل حزب الله اللبناني على تأليفه مسبقا، أملا منها في تأسيس نفسها ككيان سياسي وعسكري حقيقي يمكنه استيعاب قوة النيران الإسرائيلية عالية التفوق والارتداد للخلف.
وفي كل ذلك، كانت حماس بمثابة البشير للشعوبية الديمقراطية التي صاحبت الربيع العربي. وحينما بدأت أرقام الضحايا في غزة بالتصاعد في جولة عام 2012، سعت الدول العربية إلى التدخل عن طريق الضغط على الولايات المتحدة لتضغط بدورها على إسرائيل. وأيا كان ما تظنه حكومات تلك الدول حيال حركة حماس، كان لديهم ما يكفي من القلق بشأن إرضاء المواطنين الساخطين في بلادهم.
كان سقوط جماعة الإخوان المسلمين المصرية خلال العام الماضي واحدا من أهم الآثار التاريخية للحظة ما بعد الربيع العربي، وقد غير ذلك السقوط كل شيء لدى حركة حماس، والتي تعتبر هي ذاتها إحدى الأذرع الإقليمية لتنظيم الإخوان المسلمين الدولي. وقد أجبر أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المصريين نظراءهم في حركة حماس على التوقف عن تلقي الدعم من بشار الأسد في سوريا. أما معظم دول الخليج، لم تكن تعبأ أبدا بجماعة الإخوان ولا بمواقفها المناوئة لها. ولذلك حينما سقطت الجماعة في مصر، ظلت حماس وحيدة، من دون أنصار أو أصدقاء.
دخلت حركة حماس في محادثات المصالحة مع حركة فتح إثر حالة الضعف البين وانعدام احتمالات الدعم الدولي حيالها. حينئذ، عندما أتاح مقتل المراهقين الإسرائيليين الثلاثة (على يد ما يبدو أنهم تابعون لحركة حماس) لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المبرر لضرب حماس وتجميد جهود المصالحة الداخلية هناك، أدركت حماس أنه لا يوجد لديها ما تخسره سياسيا إذا ما أطلقت صواريخها على إسرائيل، على الرغم من حتمية التكلفة العالية للانتقام الإسرائيلي، ومن استخدام القوة كدلالة على الهيمنة، إلى استخدام القوة كدلالة على اليأس.
ومع تصاعد أعداد الضحايا، كان العرب العاديون يشعرون بنوع من التعاطف مع معاناة الفلسطينيين، وربما أعجب بعضهم بمقاومة حماس الصامدة في مواجهة إسرائيل. ولكن مع أفول نجم الربيع العربي ونضوب معين التهديد بالمقاومة الديمقراطية، لم يكن بعض المسؤولين العرب يعبأون كثيرا بما يعتمل في صدور مواطنيهم.
إن التبعات السياسية لذلك الموقف المتغير هي من الأهمية بمكان؛ ففي عام 2012، بدا من الأهمية المتزايدة للولايات المتحدة أن تنتبه للتكاليف، وتنتبه إلى حلفائها من العرب والمسلمين، وتنتبه إلى الصراع المستمر بين إسرائيل والفلسطينيين، وأن تتخذ موقفا واضحا حيال صعود حركة حماس. إن الحكومات الديمقراطية - أو على أدنى تقدير المستجيبة - قد يمكن أن تأخذ في اعتبارها التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية. وتركيا من الأمثلة الجيدة على ذلك؛ فعلى الرغم من كونها حليفا طويل الأمد لإسرائيل، إلا أنها يممت وجهها بعيدا عن الدولة اليهودية.
واليوم، عاد الأمر إلى ما كان عليه - هناك فجوة تلوح في الأفق بين وجهات نظر الحكومات العربية وبين مشاعر مواطني بلادهم. والتفضيل التقليدي الإسرائيلي والأميركي لرفض التعامل مع حماس يمكنه طرحه من جديد الآن على الطاولة مع دعم عربي ضمني وأحيانا صريح. ومن زاوية الواقعية السياسية، لم يعد الرأي العام العربي يشكل الأهمية التي كانت له من قبل.
وذلك الواقع محزن للغاية - ولكن قد يكون هناك بصيص أمل في الأفق. فقد نجت حماس من الضربات الإسرائيلية الأخيرة، ولكنها لا يمكنها على المدى البعيد النجاة من تخلي حلفائها من العرب عنها. فهي في حاجة ماسة للتصالح مع حركة فتح للحصول على الأموال الضرورية للحكم.
وفي ذات الوقت، فالإسرائيليون، بما فيهم التيار اليميني، يتعين عليهم الآن إدراك أن حماس المنهكة لا تزال تشكل خطورة. وقد برهنت حماس على ذلك فعلا، مع بقاء ظهرها للحائط، سوف تستمر في القتال بدلا من الركوع. ويمكن لصواريخها في المرة القادمة أن تنجح في إغلاق مطار تل أبيب الدولي طيلة فترة الصراع، ويمكن لأنفاقها النجاح في تكثيف الهجمات ضد المواطنين المدنيين.
ومع أن الكدمات قد نالت كلا الفريقين، يبدو أن الوقت قد حان لإسرائيل للسماح لحماس بالتصالح مع حركة فتح والجلوس إلى طاولة السلام. وعلى المدى البعيد، لا يمكن لإسرائيل عقد سلام ذي مصداقية من دون تمثيل تنظيم يمثل على أدنى تقدير نصف الشعب الفلسطيني، وربما أكثر من ذلك.
وإذا كان مقدرا حدوث ذلك، فإن احتمالات التوصل لاتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين قد ترتفع بشدة. وأصبح أمرا تقليديا التركيز على اللاعبين الخارجيين، بما فيهم الولايات المتحدة والدول العربية، والتساؤل عما يمكن أن يجنوه من وراء السلام. ولكن في نهاية المطاف، فسوف يحل السلام فقط عندما يخدم المصالح الإسرائيلية والفلسطينية - عندما يدرك الطرفان أن الخروج عن النص لمرة أخرى لن يغير من النتيجة في شيء.
( بلومبيرغ 2014-09-09 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews