محاكمة مبارك " مهزلة القرن "
لعلّ من المثير للسخرية أن يخرج علينا الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك يوم الأربعاء الماضي من السجن وكأنه يتحدث من ردهة رئاسية لشعب يتوق للإستماع ، حيث دافع خلال محاكمته عن نفسه بعد أن هُيئت له شكلا وفعلا وقولا كل أسباب الخطاب وأدواته الدعائية المعروفة .
كان مبارك ، قبل هذه الجلسة الختامية التي تسبق النطق بالحكم ، يظهر على سرير متحرك يحيط به ولداه ، للإيحاء بأنه في الرمق الأخير من الحياة ،حيث أكل الزمان جسده وصحته وقوته، لكنه هذه المرة ، لم ينسَ حقن البوتوكس على جبينه وحول عينيه ، ولم ينسَ صباغة شعره بالأسود ليبدو وكأنه نجم سينمائي ، أو رئيس فعلي يخاطب المصريين من على منصة مجلس الشعب ، وليس أمام محكمة تتهمه بقتل المتظاهرين إبان ثورة ٢٥ يناير/ كانون الثاني عام ٢٠١١ والإخلال بالقانون والنظام أثناء الانتفاضة الشعبية التي أجبرته على التنحي بعد ٣٠ عاماً قضاها في السلطة ، مارس فيها ونظامه وأولاده شتى أنواع البطش وأساليب الفساد ، لتتحول مصر في عهده إلى دولة فقيرة مهيضة الجناح ، يعاني شعبها الظلم والتسلط والبطالة والعوز ، ولتحتل العشوائيات وجرائم البلطجة في عهده غير الممنون النسبة الكبرى من مساحة الدولة الغنية بمواردها الطبيعية وتاريخها وآثارها.
وبدلاً من أن يدلي مبارك بشهادته أمام الملايين الذين يتابعونه على الهواء من المنازل، بدا وكأنه يوجه خطبة عصماء إلى الشعب عن إنجازاته خلال الـ ٣٠ عاماً عجافا التي قضاها في السلطة ، وما قام به وبذله في خدمة مصر، وها هو يهذي : “ أشهد أمام الله أن كل قرار وسياسة انتهجتها إنما ابتغيت بها صالح الوطن، ولا أزال شديد الاعتزاز بخدمة بلادي وبني وطني من أيدني منهم ومن عارضني على حد سواء ".
أضاف في لغة مدروسة : " لعلَّ حديثي أمامكم هو آخر ما أتحدث به حتى ينتهي العمر، وإنني وإذ اقترب العمر من نهايته مرتاح الضمير أن قضيته مدافعاً عن مصر ومصالحها وأبنائها حرباً وسلاماً ".
وبالطبع ، كان لا بد لمبارك أمام القضاة والحاضرين في المحكمة والمتابعين له في المنازل أن يلقي الضوء على دوره في حرب أكتوبر عام ١٩٧٣ مع اسرائيل والنصر الذي حققته مصر والذي لم يعقبه أيّ دور يُذكر لمصر في عهد مبارك في دعم القضية الفلسطينية والفلسطينيين، بل إن كل ما جناه منه الفلسطنيون هو إغلاق معبر رفح وإحكام الحصار عليهم هناك في غزة .
كما تحدث في خطابه عن دوره في محاربة الإرهاب، مشيراً إلى دور مصر اليوم بقيادتها " الحكيمة " في الإعلان عن أن جماعة الإخوان "جماعة إرهابية " وتعهد السيسي الذي فاز بانتخابات الرئاسة في مايو/ أيار الماضي بأن الجماعة لن يكون لها وجود في عهده ، وعن الأحداث الدموية التي واكبت الثورة مثل قتل مئات المواطنين وإلقاء القبض على الآلاف والحكم على الكثيرين منهم بالإعدام في محاكمات جماعية ، وكأنه – أي مبارك - يقدم رسائل مبطنة إلى المسؤولين والرأي العام ببراءته واستعداده لإعادة حكمه .
إن ما جرى الأربعاء الماضي في محاكمة حسني مبارك وحبيب العادلي (وزير الداخلية الأسبق) كان مهزلة بحق ، بعد أن قدم لهما هذا المنبر الذي ترصده العشرات من شاشات التلفزة عبر العالم ، حيث حاولا إعادة بناء سمعتيهما لدى الرأي العام، ومن أجل ذلك مُنحا مساحة كبيرة لقول ما يريدانه ، ومن خلال الأداء العاطفي التلفزيوني الذي قدمه مبارك ظهر بمظهر المتهم البريء المريض ولكن بإطلالة أريد لها أن تكون مقبولة للرائي والمستمع ، ليغدو المشهد كاملاً وكأنه مقتبس من دراما تلفزيونية تعود لفترة الثمانينات عندما كانت الفنانة تستلقي على سريرها تبكي فراق الحبيب وهي بكامل المكياج والأناقة .
لا يجب أن يتمكن حسني مبارك وأعوانه بسبب ما جرى في ٣٠ يونيو/ حزيران من التنصل من جرائمه والتهم الموجهة إليه بحق الشعب المصري ، وإلا فعلى تضحيات الثورة السلام .
د . فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews