أجهزة الكمبيوتر لا تحتاج إلى التفكير بحيل اصطناعية
الأدمغة الكبيرة في عالم الذكاء الاصطناعي، التي تلتقي هذا الأسبوع من أجل المؤتمر السنوي لهذا التخصص، تعِد بلحظة مشرقة طال انتظارها.
في الأعوام الـ 59 التي انقضت منذ صياغة هذا المصطلح، فكرة الآلة التي تفكر قد أصبحت عصرية وبالية في أحيان أخرى. ذكريات "شتاء الذكاء الاصطناعي" في السبعينيات والثمانينيات لا تزال تطارد هذا المجال. مع قيام شركات، مثل جوجل وفيسبوك وأمازون وبايدو، جميعاً بشراء المواهب والاستثمار لبناء مجموعة ذكاء صناعي داخلي، فقد عادت الفكرة بمنتهى القوة.
مع ذلك، فإن اختلافات الرأي حول التكنولوجيا لا تزال تبدو وكأنها في قوة الخلاف بين الفرق والشيع الدينية. مصطلح "الذكاء الاصطناعي" نفسه يُشير إلى محاولة لتكرار الذكاء البشري، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من الآثار الفلسفية.
هذا، على سبيل المثال، هو أورين اتزيوني، رئيس برنامج بحث طموح يدعمه بول ألان، المؤسس المشارك لشركة مايكروسوفت، يتحدث عن ركن من أركان الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح مألوفاً على نحو خاص. فقد سبق له القول: "إن هناك العديد من التطبيقات الفردية المثيرة، لكن إذا تعمّقت أكثر قليلاً، فإن التكنولوجيا هي على حافة الهوية".
إن موضوع ملاحظته الساحقة هو تقنية تعرف باسم "التعلّم العميق". وهذه حالياً لها اليد العليا. في الواقع، عندما يتحدث خبراء التكنولوجيا عن النهضة المذهلة في مجال الذكاء الاصطناعي، فهذا عادة هو ما يدور في خلدهم.
نجاح التعلّم العميق هو نتاج العصر. الفكرة تعود لعقود ماضية: على أن التعامل مع مجموعة من المعالجات، التي يتم تغذيتها بما يكفي من البيانات، يمكن أن تعمل مثل شبكة من الخلايا العصبية الاصطناعية. من خلال تجميع وفرز المعلومات بطرق أكثر دقة تدريجياً، بإمكانهم "تعلّم" كيفية تحليلها في ما يشبه الطريقة التي يُعتقد أن الدماغ البشري يعمل بها.
لقد اتخذت قوة الحوسبة الهائلة التي تتركز على مراكز بيانات خدمة السحابة لتستفيد منها في تدريب الشبكات العصبية، بما يكفي لجعلها مفيدة. هذا يبدو كأنه حلم ذكاء اصطناعي استحضرته شركة جوجل: استيعاب جميع البيانات من كافة أنحاء العالم، وتطبيق ما يكفي من قوة المعالجة، عندها أسرار الكون ستكشف نفسها أمامك.
لقد أنتج التعلّم العميق بعض النتائج المثيرة للإعجاب. في مشروع يعرف باسم ديب فيس، ذكرت "فيسبوك" أخيراً أنها وصلت إلى دقة تبلغ 97.35 في المائة بتحديد وجوه أربعة آلاف شخص، في مجموعة مكونة من أربعة ملايين صورة، وهذا أكثر بكثير مما تم تحقيقه من قبل.
مثل هذه الإنجازات في التعرّف على الأنماط تكون بشكل طبيعي بالنسبة للبشر، لكن من الصعب على علماء الكمبيوتر نسخها من قبل الآلات. حتى نتائج السبر المبتذلة يمكن أن تشير إلى تقدّمات مهمة، فتقرير شركة جوجل قبل عامين هو أنها تصميم نظام يتعرف على القطط في فيديوهات اليوتيوب، لا يزال يتردد صداه في هذا المجال.
إن استخدام نفس التقنيات من أجل "فهم" إحدى اللغات أو حل مشاكل أخرى تعتمد على التعرف على الأنماط التي يمكن أن تجعل الآلات أفضل بكثير في تفسير العالم من حولها. ومن خلال تحليل ما يفعله الأشخاص ومقارنته بـ (آلاف غيرهم) بفعله في حالات مماثلة في الماضي، فبإمكانهم أيضاً توقع ما قد يفعلونه في المستقبل.
النتيجة قد تكون أنظمة سلوكية تفهم حقاً سلوكك ومحركات توصية قادرة على اقتراح الأمور التي ترغبها بالفعل. هذه قد تبدو غريبة، لكن إذا تمت بشكل صحيح، يمكن أن تتوقع الآلات احتياجاتنا وتكون كمرشدين لمدى الحياة.
يوجد خطر من موازنة ناتج مثل هذه الأنظمة مع إنتاج الذكاء البشري الفعلي. في الواقع، هي حيل اصطناعية، مع أنها مثيرة للإعجاب. الأمر المهم سيكون معرفة أين يجب تطبيق مهاراتها - ومدى الثقة بها.
أنظمة التعلّم العميق لا تستخدم هذا النوع من التفكير الشفاف المتعلق بـ "الذكاء الاصطناعي الكلاسيكي"، حيث يتم تغذية أجهزة الكمبيوتر بهيئات محددة من المعرفة والقواعد حول كيفية تفسيرها.
يقول المتشككون إن ذلك يجعل إنتاجهم غامضاً بطبيعته.
يقول راؤول فالديز بيريز، وهو عالم كمبيوتر: "إذا كنت تبحث عن نصيحة وقدم شخص ما اقتراحا معينا، وذلك الشخص لا يستطيع سرد أسباب تقديمه لهذا الاقتراح، عندها لن تثق باقتراحه". علماً أن شركته الناشئة "أونلي بوث" تستخدم التقنيات الكلاسيكية للرد على الاستفسارات في جمل كاملة، التي يقول إنها أبعد من قدرة أنظمة التعلّم العميق. هذا بالضبط ما كان اتزيوني يفكر فيه عندما حذر من أن التعلّم العميق، إذا تم الضغط عليه أكثر من قدرته، سيصبح في النهاية متهوراً.
يقدم أمثلة عن نظام التشخيص القائم على هذه التقنية التي تقترح إزالة كلية أحد المرضى. يقول إن الآلة لن "تفهم ما هي الكلية، وما معنى إزالتها. نحن لا نريد طبيباً أو شخصاً يتخذ قراراً دون أن يفهم ما يتحدث عنه".
إذا تطلب الأمر أخذ قفزة في الإيمان لنثق بمثل هذه الأنظمة عندما يتعلق الأمر بتدخلات طبية خطيرة، فلأي مدى ينبغي الثقة بها عند تطبيقها في الحياة اليومية؟
القفزات الكبيرة التي تجري في هذا المجال تُشير إلى أنه سيتم قريباً الشعور بنتائج التعلّم العميق على نطاق أوسع. تحت سيطرة الخبراء البشر الذين يعرفون متى يستخدمونها وكيف يفسرون النتائج، يمكن أن تجلب ثورة في مجال صُنع القرارات بمساعدة الآلة. كما هي الحال دائماً مع الذكاء الاصطناعي، يحسن بك ألا تتوقع أموراً فوق الحد.
( فايننشال تايمز 8/7/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews