نجاح الديمقراطية يعتمد على إعلان رئيس إندونيسيا

يوجد في إندونيسيا 190 مليون ناخب و479 ألف صندوق اقتراع و4.4 مليون موظف رائع، لضمان حرية وعدالة الانتخابات الرئاسية. الشيء الوحيد الذي ينقصها هو إعلان النتيجة فحسب.

بعد عملية بدأت بانتخابات تشريعية في أوائل نيسان (أبريل) تلتها أشهر من الحملات الانتخابية التي انتهت بالانتخابات الرئاسية في 9 تموز (يوليو)، ما زالت إندونيسيا لا تعرف من سيتولى منصب قائدها ويتسلمه من سوسيلو بامبانج يودويونو.

سيعرفون ذلك بالتأكيد في يوم 22 تموز (يوليو)، بعد العد الرسمي للأصوات. وحتى عند ذلك، يمكن أن تنشأ اعتراضات على هذه العملية، وهو الأمر التي يمكن أن يحتاج إلى شهر آخر.

يمكن أن تؤدي نتائج هذه الانتخابات نحو اتجاهات مختلفة جداً في البلاد.

جوكو ويدودو، محافظ جاكارتا ذو الشعبية الكبيرة يتمتع بدعم كبير بين الفقراء بسبب نزاهته الملموسة، ومكانته باعتباره "رجل الشعب". أما منافسه، فهو برابوو سوبيانتو، الجنرال السابق في الجيش وعضو النخبة الثرية المولع بالخطب البلاغية الوطنية. حسب أسرع عد للأصوات الذي اعتمد على عينات أخذت مباشرة من استطلاعات، وجد أن ويدودو اقترب من الفوز بنسبة 52 في المائة مقابل 48 في المائة لمنافسه، لكن الأمر الذي حطم الآمال بعملية انتقالية سلسة هو أن سوبيانتو يدعي أيضاً، أنه هو الفائز. وبالتالي فإنه يرجح أن يدفع بالأمور إلى خط النهاية.

أصبح من الأقوال المكرورة تصوير الأمم على أنها تقف على مفترق طرق، ولكن اعتماداً على ما سيحدث في الأسابيع القليلة المقبلة، يمكن أن تسير إندونيسيا على طريق مميز "بتحولات ديمقراطية نموذجية"، أو تصبح معلماً على "فشل انتخابي" آخر.

النتيجة الأولى ستكون نصراً لأولئك الذين استمدوا شجاعة من الانتقال السهل من دولة الاستبداد إلى حكم ديمقراطي فاعل. أما السيناريو الثاني - وهو حدوث أزمة طويلة، أو في أسوأ الأحوال انتخابات مزورة - فسيقوي من وجهة نظر المدافعين عن النظم الاستبدادية. إذا كانت الأمة التي يشار إليها في أحيان كثيرة على أنها نموذج يحتذى لا تستطيع تحقيق النجاح، فربما كانت الديمقراطية فيها حقاً، رفاهية لا تستطيع الدول الفقيرة تحمل تكلفتها.

كيف ستتعامل إندونيسيا مع هذين الوضعين الانتخابيين المتعادلين، هو ما يجري مراقبته عن قرب عبر المنطقة المجاورة. تشير مو سوشوا، العضو البارز في المعارضة الكمبودية، إلى إندونيسيا نموذج لكيفية تحول دولة الاستبداد إلى ديمقراطية ليبرالية. في نفس بلدها، وبعد 30 عاماً من تنصيب هون سين رئيساً لوزراء كمبوديا، بعد الفظائع التي عانت منها البلاد في عهد بول بوت، ما زال هذا الرجل في منصبه. الآن يرفض أعضاء البرلمان من المعارضة، ومنهم مو سوشوا، أخذ مقاعدهم في البرلمان بعد مرور سنة تقريباً على الانتخابات، التي يقولون إنها سرقت.

في أفغانستان أيضاً، لم تثمر الانتخابات أيضاً عن نتائج حاسمة. كان على الولايات المتحدة أن تستخدم أساليب شديدة لدفع المرشحين للانتخابات الرئاسية، للموافقة على إعادة عد الأصوات بعد أن ادعى كل منهما أنه الفائز بعد الانتخابات المعادة، التي أجريت في الشهر الماضي. وفي تايلاند، رفضت بعض الشرائح في المجتمع قبول نتائج الانتخابات المتتالية. وفي أيار (مايو) الماضي "حل" الجيش هذا المأزق الانتخابي بالذات بالطريقة التي يتقنها، وهي الانقلاب.

الموضوع المشترك فيما وراء الانتخابات الدورية هو أن الديموقراطية تدور حول تفعيل المؤسسات، ولكن يبدو أن إندونيسيا لا توحي بالثقة تماماً حيال ذلك. في الشهر الماضي صدر حكم بالسجن مدى الحياة على الرئيس السابق للمحكمة الدستورية، وهو الذي كان المحكم النهائي لعملية الانتخاب، بسبب تلاعبه بأصوات الناخبين. إن أفضل ما يقال عن هذه اللطخة في في سمعة المحكمة، هو الرغبة في إظهار النظافة التامة في حال طلب منها تحديد من هو الرئيس المقبل.

للتقليل من خطر الغش، حملت هيئة الانتخابات على الإنترنت كل أشكال النتائج تقريباً من كل مركز انتخابي إلى موقع يستطيع الجمهور الدخول إليه. لا يمكن أن تكون التكنولوجيا بديلاً عن المؤسسات الفاعلة، ولكن يمكنها أن تكون أداةً مساعدة على تشكيلها.

يتوقع إدوارد أسبينول، الخبير في شؤون السياسات في جنوب شرق آسيا في جامعة أستراليا الوطنية، أن إندونيسيا ستمر في النهاية بتجربة ما عرف بـ (تمرين) على حدوث حريق.

بخلاف الآليات المتبعة في عد الأصوات، لا يمكن أن تنجح الانتخابات إذا اعتبرت مجرد وسيلة للاختيار بين لص وآخر. في أغلب الأحيان يدفع للمسؤولين المنتخبين في الدول النامية رواتب غير مناسبة نهائياً.

الصفقة الضمنية المفهومة من ذلك هي أنهم سيعوضون ذلك من استخلاص المكاسب. سمعة إندونيسيا في هذا الخصوص ليست جيدة. وقد دلت نتائج استطلاع أجرته مؤسسة الأبحاث، إيشان باروميتر، أن لا أحد بالضبط من المستجيبين يعتقد أن الحكومة كانت تباشر "عمل فعال" في استئصال الفساد.

كان اعتقاد نحو 14 في المائة من المستطلعين أن الحكومة "تفعل أفضل ما لديها"، و40 في المائة يرون أنها "لم تفعل الكثير". إذا اعتقد الجمهور أن الانتخابات تتعلق بتوزيع العطايا، فعندها ستصبح شرعية الديمقراطية بأكملها في خطر.

وعلى الرغم من كل ذلك، وعلى نحو يشبه المعجزة في إندونيسيا، هو أن دعم الديمقراطية فيها ما زال قوياً بشكل استثنائي، فقد وجدت مؤسسة إيشان باروميتر أن 76 في المائة من الإندونيسيين يعتقدون أن الانتخابات قدمت لهم خياراً حقيقياً.

وقال أكثر من 80 في المائة منهم إن انتخابات عام 2009 التي أعادت يودويونو لفترة ثانية من الحكم، كانت إما "حرة وعادلة كلياً" أو "حرة وعادلة مع بعض المشاكل البسيطة".

بالنظر إلى جميع المشاكل الواضحة، من الممكن أن نستهين بهذا الاعتقاد باعتباره ساذجاً، على أن من الأهمية بمكان الآن أن يجزى مثل هذا الإيمان المؤثر بأدوات الديمقراطية، بنتيجة نزيهة.

( فايننشال تايمز 19/7/2014 )