رائدات الأعمال والبنية الاجتماعية السعودية
تُعّرف البنية الاجتماعية بأنها خصائص ومفاهيم وطرق تفكير اجتماعية معينة تحكم توجهات وتصرفات مجتمع ما، وهي لن تكون موجودة على وضعها الحالي ما لم يعترف المجتمع بها ويضع الثقة فيها، ولو قُدّر أن المجتمع لم يؤمن بها بالطريقة الحالية، فقد تتجلى هذه المفاهيم فيه بأشكال مختلفة.
الأموال، والمواطنة، والجرائد هي أمثلة واضحة لأي بنية اجتماعية حيث إن المجتمع أعطاها الثقة كمصدر للقيمة، ومصدر للأمن والانتماء، ومصدر للمعلومة. وقد طوّر المجتمع هذه الخصائص والمفاهيم للأموال، والمواطنة، والجرائد على مدى طويل من الزمن وغالباً بدعم قانوني. بالمثل، هناك خصائص ومفاهيم بنيت حول المرأة وأخرى حول الرجل في أي مجتمع، ونرى تجليات هذه البنية الاجتماعية في تعاملاتنا اليومية، وممارساتنا الحياتية، كما سنرى في هذا المقال.
معظم الفروقات في التعامل أو التعاطي مع المرأة بُنيت على عادات وظروف وثقافة سيطرت على البنية الاجتماعية السعودية في فترة معينة من الزمن، فتخيل ــــ مثلاً ــــ أننا لم نكتشف النفط بهذه الكميات التجارية، هل تعتقد أننا سنعيش مفاهيم اجتماعية تختلف عما نعيشه اليوم؟ هل سنكون أكثر واقعية في التعامل مع قضايا المرأة؟ هل تتوقع أننا سنبني مساجد للنساء معزولة تماماً عن الرجال مثلاً؟ هل تعتقد أننا سنبني دوائر حكومية نسائية وأخرى رجالية؟ هل بحبوحة الكاش والبترو دولار الذي نعيشه اليوم شجّعنا ووجه تفكيرنا نحو بناء تصورات معينه نحو المرأة؟ وحيث إنني في سياق الحديث عن ريادة الأعمال، يبرز السؤال: هل هذه البنية الاجتماعية تؤثر على رائدات وسيدات الأعمال في السعودية؟ سأحاول الإجابة عن التساؤل أعلاه من خلال الملاحظات الثلاث التالية:
ــــــ زاد عدد السجلات التجارية بأسماء نسائية في السعودية من 43 ألف سجل تجاري في عام 2008 إلى أكثر من 100 ألف سجل تجاري في عام 2014 من إجمالي يزيد على 900 ألف سجل تجاري حسب تقرير لجريدة "الجزيرة" بتاريخ 28/4/2014. قد يبدو هذا الرقم مشجعاً للوهلة الأولى نظراً للزيادة في عدد سيدات الأعمال السعوديات اللاتي بدأن بالعمل الحر، لكن ليس عندما نعلم أن ما يزيد على 80 في المائة من هذه السجلات التجارية مملوكة لرجال يستغلون أسماء من يعولون، حيث لا يستطيعون استخراج سجلات تجارية بأسمائهم إما لعملهم في وظيفة حكومية أو لسبب آخر.
يعتقد الرجل السعودي ــــ في الغالب ــــ أنه مسؤول عن الصرف على المرأة سواء كانت زوجة أو أختاً أو أماً، وقد يكون هذا جيدا ومطلوبا، لكن المشكلة أن يجر هذا الاعتقاد إلى أن يستغل الرجل الشخصية الاعتبارية أو القانونية للمرأة، ويمارس التجارة من خلال اسمها، بل وقد يلغي شخصيتها وربما بدون إذنها أو بالإكراه. لا تستطيع المرأة غالباً أن تعترض على هذه الممارسات لعدة أسباب أهمها اعتمادها الكامل على الرجل ـــــ حتى وإن كانت موظفة ــــ بالتدبير وتسيير دفة الحياة، وعدم وعيها بحقوقها الشخصية والقانونية والمتاعب التي قد تتعرض لها، وقناعتها بالصعوبات التي قد تعترضها إن قررت أن تخوض تجربة التجارة. يجرني هذا للحديث عن أهلية رائدات الأعمال في السعودية، فعلى الرغم من أن السعودية خطت خطوات حثيثة من أجل تمكين المرأة، إلا أن المرأة في السعودية لا تزال قاصراً أو ناقصة الأهلية عند كثير من الدوائر الحكومية بل والخاصة أحياناً. فمثلاً وعلى الرغم من التطور الذي حصل في تسجيل واستخراج الرخص اللازمة من وزارة التجارة والغرف التجارية، إلا أن المرأة ما زالت في حاجة لوكيل أعمال يقوم بتسهيل أعمالها. قد تكون بعض النساء محظوظات بأزواج أو إخوان أو آباء يدعمونهن لينجحن في عالم الأعمال، لكن هناك المئات أو الآلاف اللاتي لا يجدن ذلك، بل العكس قد يكون صحيحاً بأن يكون "ولي الأمر أو من ينوبه" عالة وحجر عثرة في سبيل نجاح المرأة. إذن المطلوب هنا تشريعات وأنظمة صارمة تعترف بأهلية المرأة الكاملة في السوق وفي ممارسة التجارة.
ـــــ هناك 30 امرأة سعودية يشاركن في مجلس الشورى بواقع 20 في المائة من إجمالي عدد الأعضاء، كما يشارك عدد من السيدات في مجالس الغرف التجارية في الرياض وجدة وغيرهما، وهناك العديد من سيدات المجتمع اللاتي يشاركن في المناسبات الثقافية والاجتماعية. لكن التساؤل هو: هل الممارسات العامة في المجتمع تدعم المرأة لتكون رائدة أو سيدة أعمال؟ أعتقد أن الإجابة هي لا، باستثناء عائلات محدودة لها القدرة المادية والمعنوية استطاعت تهيئة البيئة الداعمة والمناسبة لبناتها لدخول مجال الأعمال.
أشار عدد من الدراسات إلى أن حضور المناسبات الثقافية والاجتماعية، والعلاقات الشخصية، والقدرة على التواصل مع الأصدقاء تسهم بشكل كبير في عملية التنبه للفرص التجارية ولحاجات السوق. كما أن عددا من الأبحاث أشار إلى ضرورة الوصول للمعلومات بشكل مباشر للتعرف على الفرصة التجارية ومن ثم تحويلها إلى مشروع. على الرغم من الجهود التي تُبذل في سبيل تمكين المرأة السعودية، إلا أن المرأة السعودية في الغالب لا تستطيع اتخاذ قرار بحضور مناسبة ثقافية أو اجتماعية، بل ولا تستطيع الذهاب لإنهاء أمورها إلا مع سائق.
إن المرأة السعودية قد أُعدت ذهنياً ونفسياً ومجتمعياً بل وربما حتى قانونياً لتكون ربة منزل ومربية أبناء فقط ــــ وهي وظيفة جليلة ولا شك ـــــ لكن أدى ذلك إلى تعطيل مصالح وقدرات كبيرة في المجتمع، بل قد أدى لظلم السيدات اللاتي يرغبن في الخروج وطلب الرزق في التجارة. على سبيل المثال: الافتراض والسيناريو السائد في المجتمع هو أن الرجل يخرج ليطلب الرزق ثم يعود ليطعم امرأته وأسرته ومن يعول، لذلك يحتاج الرجل لأن يسوق وأن يسعى في الأرض، بينما تجلس المرأة في المنزل وتعتني به، لذلك فهي ليست في حاجة للقيادة أو للخروج. هذا الافتراض صحيح وينطبق على فئة من سيدات المجتمع، لكن هناك فئات أخرى ترغب في الخروج وخوض تجربة الحياة وطلب الرزق لكن تحتاج للدعم إما بالسماح بقيادة السيارة مع نظام مروري صارم أو بتوفير بدائل مناسبة للتنقل.
- هناك افتراض سائد وقد تكون له مبرراته بأن المكان الطبيعي للمرأة هو المنزل، لكن المزعج في هذا الموضوع أن يُنظر للمرأة التي تذهب خارج البيت نظرة دونية، تجعل البعض يتساهل مع من يتحرش بالمرأة، وقد نجد من يضع اللوم ــــ بقصد أو بدون قصد- على المرأة. إن الجلوس في المنزل هو خيار شخصي للمرأة، بينما الأمن من التحرش عند الخروج من المنزل هو قضية مجتمع. لذلك وإذا أردنا أن ندعم ونهيئ بيئة مناسبة لرائدات وسيدات الأعمال السعوديات، أعتقد أننا في حاجة ماسة لقانون يُجرم التحرش ويفرض عقوبات صارمة وحازمة على من يقوم بهذا العمل المشين.
لا شك أن رائدات وسيدات الأعمال يستطعن المساهمة بشكل فعال في تنمية المجتمع، والمحافظة عليه، وتقليل نسبة البطالة، بل حتى رفع مستوى الوعي لجميع فئات المجتمع، فليست المرأة المهمشة التي تؤدي أدوارا ثانوية وتشعر بأنها عالة مثل المرأة التي تؤدي أدوارا رئيسة وتشعر بحاجة المجتمع وتقديره لها. إننا في حاجة ماسة لمراجعة شاملة وتصحيح متوازن للمفاهيم والعادات التي أدت إلى تعطيل أو إبطاء دور رائدات وسيدات الأعمال، وذلك من أجل تحقيق التوازن المجتمعي المطلوب، وإعادة بناء الثقة بالمرأة السعودية.
( الرياض 18/7/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews