بريق ذهب أعماق المحيطات يجتذب شركات التعدين

يوجد في مقدمة واحدة من هذه الآلات التي يبلغ ارتفاعها ستة أمتار، والتي يتم تجميعها في إنجلترا، جهاز هائل شبيه بالمدحلة المغطاة عند نقاط بأجزاء شبيهة بهراوات العصور الوسطى، وهي موجودة في مشاغل الشركة المتخصصة في صناعة الأجهزة المستخدمة تحت الماء، إس إم دي الواقعة قرب نيوكاسل أبون تاين.

يبلغ وزن هذا الوحش العاجي الأبيض اللون 310 أطنان وهو "قطاعة الكتل" التابعة لشركة نوتيلوس التي تأمل بنشرها مع آلات أخرى مصنوعة في شركة إس إم دي في بيئات قاسية جداً. ستعمل هذه الآلة على عمق 1600 متر تحت مياه المحيط الهادي، لتكسير أجزاء من قاع البحر بغرض استخراج خامات الذهب والنحاس، قبل ضخهما إلى السطح.

جرى الحديث لفترة طويلة عن الإمكانات الموجودة في استخراج المعادن من قاع البحر، وعلى قدرتها على تغيير موارد العالم من الكثير من المعادن. وتعتبر طلبات الآلات التي قدمتها شركة نوتيلوس، إضافة لبحثها عن سفينة لتكون محطة طافية لمعالجة المعدن الذي ستستخرجه، من علامات ثقة شركة نوتيلوس بأن مشروعها يمكن أن يفي بالموعد المحدد للبدء به في عام 2017.

قال مايك جونستون، المدير التنفيذي لشركة نوتيلوس المدرجة في كندا، إن شركته "قريبة جداً من جعل استخراج المعادن من قاع البحر حقيقة ملموسة "عندما يستكمل بناء قطاعة الكتل في هذا العام. يأتي هذا بعد أن حلّت شركة نوتيلوس خلافاً مع حكومة بابوا نيو غينيا، التي تمتلك 15 في المائة من المشروع مع إمكانية امتلاك 15 في المائة أخرى منها.

على الرغم من كل الحماس الذي يثار حول استخراج المعادن من قاع البحر، إلا أن هذا القطاع الفرعي من هذه الصناعة مستمر بالتقدم مع فترات من التوقف ثم السير من جديد.

مرت عقود عديدة من المعرفة المتزايدة حول الطريقة التي تراكمت فيها الرواسب المعدنية في قيعان المحيطات، ولكن ذلك لم يؤد حتى الآن إلى محاولات جادة ومستدامة لاستغلال هذه الرواسب، من قِبل أكثر الشركات خبرة في استخراج المعادن في العالم، وفي الوقت نفسه بذلت الشركات الأصغر في هذا المجال جهوداً مضنية للتغلب على مخاوف مالية وبيئية عديدة.

من الأمثلة على هذه المخاوف رفض الطلب الذي تقدمت به الشركة النيوزيلاندية ترانس تاسمان ريسورسيز (تي تي آر) في الأسبوع الماضي، استخراج رمال خام الحديد قبالة شاطئ البلاد، وذلك على أسس بيئية.

ناميبيا تعتبر واحدة من الدول القلائل المعتادة على استخراج المعادن من قاع البحار- مثل الماس الذي يجري استخراجه من المناطق المغمورة منذ 50 عاماً - إلا أن هذه الدولة نفسها أصدرت قراراً رسمياً في العام الماضي، بتعليق اقتراح لاستخراج معدن الفوسفات من قاع البحر.

فيما يخص المناطق الواقعة تحت مياه البحر الغنية بالمعادن، يقول ناي ألوتي أوديونتون، السكرتير العام لهيئة قاع البحار الدولية- إحدى منظمات الأمم المتحدة - وهي المسؤولة عن منح تراخيص الكشف عن المعادن، إن التقدم في استخراج المعادن من قاع البحار، كان محبطاً للآمال حتى الآن.

بعد مرور 13 عاماً على بدء هذه الهيئة بإصدار التراخيص، وحيث ينتهي مفعول سريان بعض من أوائل هذه التراخيص في عام 2016، ما زال أوديونتون يرغب في رؤية تقدم أكثر في هذا المجال.

توجد موارد مهمة في قاع البحار. وأثناء ذلك تنتج بعض من الرمال الرسوبية القريبة من اليابسة معادن مترسبة وفيرة – كما هو الحال مع الماس في ناميبيا.

شركة دي بير للماس التي تمتلكها شركة أنجلو أمريكان تستغل هذه المياه باستخدام جرارات "زاحفة" على قاع البحر. وشركة أنجلو أمريكان هي أيضاً حامل أسهم في شركة نوتيلوس.

عملت الأسعار المرتفعة للكثير من المعادن وتناقص نوعية المعادن الموجودة في الترسبات الأرضية، على جعل ترسبات قاع البحار جذابة نسبياً. وفي بعض الحالات تكون معادن قاع البحر من النوع المتجدد عملياً، لأنها تُقذف من باطن الأرض مباشرة في المحيط من خلال فتحات حرارية مائية.

فيما يتعلق بمشروع نوتيلاس، تقول الشركة مواردها يوجد بها نحاس بنسبة 7 في المائة. في المقابل، فإن مناجم النحاس على اليابسة تتعامل غالباً مع درجات تقل عن 1 في المائة.

غالباً ما تكون المعارضة البيئية قوية. يقول النقاد إن الأنظمة البيئية ستتأثر بالضجيج والضوء والترسبات. وقالت هيئة حماية البيئة النيوزيلندية وهي ترفض طلب الشركة تي تي آر باعتباره "سابقاً لأوانه"، إن من الممكن أن تتشكل ترسبات قُمعية الشكل يبلغ طولها 50 كيلومتراً بعرض 20 كيلومتراً.

قالت الهيئة: "الأوضاع المقترحة، على الرغم من أنها واسعة الانتشار، إلا أنها غير كافية لإعطائنا درجة الثقة التي نحتاجها لكي نكون قادرين على منح الموافقة". وكانت شركة تي تي آر قد رغبت باستخراج المعادن في عمق يصل إلى 45 متراً وعلى بعد 30 كيلومتراً من الشاطئ، باستخدام زحافات في قاع البحر مشابهة لتلك المنشورة خارج شاطئ ناميبيا.

هناك شركة نيوزيلندية ثانية هي تشاثام روك فوسفات تطلب موافقة الهيئة على خطط لاستخراج الفوسفات من الماء على عمق 400 متر وعلى بعد 450 كيلومتراً شرقي البلاد. وقالت الشركة: "لا يمكن مقارنة طلبنا بطلب شركة تي تي آر. إنه معدن مختلف، وفي بيئة بحرية مختلفة جداً مع استخدام طرق استخراج مختلفة".

تقول شونتيل نورجيت، الرئيسة المالية لشركة نوتيلوس إن استخراج المعادن من قاع البحار، يمكن أن يكون أقل تطفلاً مما هو على اليابسة. وهي تضيف: "ستكون حجتنا أكثر إقناعاً، عندما يعرفون بأنه لن يكون علينا إزالة قمم جبال، أو نقل مجتمعات من أماكنها". وحتى لو أمكن التغلب على المخاوف البيئية، فسيبقى الكثير من اقتصاديات استخراج المعادن من قاع البحر خاضعاً للتخمين، لأنه لم ينجز من هذا سوى القليل من قبل. وسيجعل ذلك من المستحيل تقريباً على العاملين في استخراج المعادن الحديث عن قدرتهم على الدخول إلى احتياطات صالحة للتطبيق اقتصادياً، وليس ببساطة موارد معدنية. هذا بدوره سيجعل من الصعب الحصول على التمويل اللازم لاستخراج المعادن من قاع البحر. وشركة نوتيلوس تخطط للاعتماد على التمويل عن طريق طرح أسهم عادية.

لهذه الأسباب، يقول سكرتير هيئة قاع البحار الدولية أديونتون، إن من المهم أن يبدأ استخراج المعادن من قاع البحر تقديم نتائج ملموسة، بحيث يصبح كل المشاركين أكثر ثقة بالمشاريع، وليس عالقين لسنوات وسنوات في أبحاث بحرية".

ويقول إنه دون حدوث تقدم يذكر، فسيكون من المستحيل تقريباً رسم خطط لسن قوانين مقبولة وإجراءات محاسبية عامة تحكم استخراج المعادن من قاع البحار".

ويضيف: نحن نحاول دفع الكثيرين من حاملي التراخيص إلى البدء ببعض أعمال الاستخراج الرائدة، ولكن المشكلة الكبيرة هي أنه لا أحد سبق له أن فعل ذلك من قبل، ويصبح كل شيء بعد ذلك مسألة تخمين لما تفعله، نحن نعرف أشياء أكثر بكثير مما كنا نعرف من قبل، ولكني أحاول التعامل مع موضوع الربح من استخراج المعادن".

( فايننشال تايمز 5/7/2014 )