شتان بين نفعية الغرب وطوباوية العرب
لن أزيد خردلة إن تحدثت عن المآسي والآلام والكوارث التي تنهال على البلدان والشعوب والمجتمعات العربية والإسلامية في الشرق الأوسط لأنها تلاحقنا اليوم أينما كنا من خلال شاشات التلفاز أو الأجهزة الذكية التي نملكها.
لا أريد الدخول في تفاصيل ما يحدث، لأن هدفي هنا أن أقدم تحليلا علميا وأكاديميا يستند إلى اختصاصي كمحلل للخطاب رغم أنني أتجاوز على ركن من أركان هذا العلم عندما أعزف عن إبداء موقف إنساني رصين ومحايد قدر الإمكان.
لو نظرنا إلى الساحة السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط لرأينا اصطفافا للشعوب والدول لا يمكن تفسيره حتى استنادا إلى الاصطفاف المذهبي والطائفي الخطير الذي يعصف بالمنطقة.
لو نظرنا إلى الساحة الدولية التي من المفروض أن تكون خارج نطاق المخاصصة والاصطفاف المذهبي والطائفي للعرب والمسملين لرأينا أن هناك أيضا تمايزا وازدواجية، لكنها مبنية على أسس أخرى.
ولو حللنا المواقف استنادا إلى ما نقرأه من خطاب لتوصلنا إلى نتيجة قد تكون غائبة عن الكثيرين. ما نشاهده من أحداث مدمرة في الشرق الأوسط يرجع بها الكثير من القائمين عليها ومنفذوها إلى أساس ديني أو مذهبي أو طائفي. هذا واضح من خلال اللغة وكذلك من خلال الرموز المستخدمة من إعلام وتسميات ومناهج وخطب وغيرها.
والسياسة والنظم في الشرق الأوسط صارت في كثير من تفاصيلها رهينة للمجموعات التي تغذي هذا الانفجار، وصار الدين والمذهب والطائفة حكما يسود الكثير من سياساتها إلى حدّ كبير، والدليل بروز دور رجال الدين والدعاة والمرجعيات التي لها صولة وقول فصل في الكثير من المواقف.
الموقف الدولي، ولا سيما الغربي منه، لا يحكمه الدين ولا الطائفة أو المذهب أو القبيلة. لقد غسل الغرب أردانه من التدين والمذهبية والعصبية وأخذ بألباب الفلسفة النفعية التي تحتل أغلبية مواقفه من اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية. والسياسة النفعية باختصار تعني أنه لو حدث حريق في سيارة فيها شخصان وأنا ليس بإمكاني إلا إنقاذ شخص واحد، سأنقذ الذي هو أقرب إلي منفعةً وأترك الآخر يحترق في النار، ولن أذرف دمعة واحدة عليه.
لهذا فإن الشخص ذاته الذي يحمل الفكر ذاته والمنهج ذاته ويقترف الفظائع والانتهاكات ذاتها يراه الغرب مقاوما من أجل الحرية في بلد ما ويسانده بشتى الوسائل، والشخص ذاته في مكان آخر ينعته بالإرهابي والمجرم ويحاربه بشتى الوسائل. إن تصرخ وتقول هذه ازدواجية، فإن هذا لن يؤثر في الغرب أبدا لأن المنفعية كما يراها في اللحظة الراهنة هي ديدنه.
العرب والمسلمون في الشرق الأوسط تأخذهم العاطفة والمواقف المذهبية والدينية والطائفية والقبلية ويضعون منفعتهم ومنفعة مجتمعاتهم جانبا، لهذا لا يكترثون إن أعيدت بلدان بأكلمها وبعشرات أو حتى مئات الملايين إلى عصر الظلامات والكهوف.. منفعية الحاضر لا تمثل شيئا لديهم.
كتبت هذا المقال بعد الاحتفال المهيب الذي أقامته جامعتنا بمناسبة نصب تمثال لداج همرشولد، وهو عالم اقتصاد سويدي وثاني أمين عام للأمم المتحدة. همرشولد من مواليد المدينة التي أعيش فيها، والكل يراه اليوم رمزا يجب اقتفاء خطاه والعمل بفلسفته وسياسته. هناك لافتة في بهو جامعتنا تنقل عنه قوله: "لا تنظر إلى الوراء ولا تحلم بالمستقبل، لأنه لن يعيد الماضي إليك ولن يحقق لك أحلامك من أجل السعادة .. واجبك ومكافأتك ومصيرك هنا في الحاضر الذي أنت فيه".
(المصدر: الإقتصادية 2014-06-28)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews