الأزمة العراقية أمنية وسياسية
تتناول أكثر من فرضية أحداث العراق. قال بعضهم إنها مرآة التنافس الشيعي - السنّي الداخلي، إثر الانتخابات البرلمانية. والتطورات هذه تمهد لانفصال ثلاث محافظات سنّية عن العراق. وترجح الفرضية الثانية كفة العامل الإقليمي: انتقال المواجهة مع محور المقاومة من سورية إلى العراق. وأما الفرضية الثالثة فترى أن هذه التطورات هي ثمرة تعاون إقليمي يرمي إلى بث الرعب في أوصال العراق، وإبعاده عن محور المقاومة. وتقول الفرضية الرابعة إن ثمة بعداً دولياً لأزمة الموصل: نزاع بين أميركا ومحور المقاومة من جهة، وأميركا وروسيا من جهة أخری، مسرحه في سورية وأوكرانيا. وتدور الفرضية الخامسة حول أزمة مركّبة تشترك فيها أطراف عراقية وإقليمية ودولية، لذا، لا يعوّل على تغيُّر مواقف بعض الجهات الإقليمية أو «داعش» أو الولايات المتحدة. وتمس الحاجة إلى متابعة ما ترمي إليه هذه الجهات من نتائج استراتيجية هدفها تغيير سياسة العراق.
وتستند الفرضيات هذه إلى معطيات الواقع. وتحتسب الفرضية الأولى موقف الكتل الثلاث، «الكردستانية» بزعامة مسعود بارزاني، و»العراقية» بزعامة اياد علاوي، و»متحدون» بزعامة أسامة النجيفي، في جلسة البرلمان الأسبوع الماضي. فموقفها منع إعلان حال الطوارئ في البلد. وتسوغ الفرضية الثانية متابعة بعض القنوات التلفزيونية العربية. فهذه سلطت الأضواء الإعلامية على «داعش»، في وقت مدَّت جهات عربية قوات «داعش» بالمال والعتاد الحربي.
أما الفرضية الثالثة فتستند إلى سكوت تركيا وبعض الدول العربية عما يجري، وصمت دول عربية مثل الأردن يحمل مؤشرات كثيرة. وتشير الفرضية إلى مواقف مجلس الأمن المتسامحة مع الحركات الإرهابية في العراق. فالمجلس اجتمع الخميس الماضي، ودعا العراقيين إلى التفاهم واعتبر أن الإرهابيين مواطنون عراقيون.
وعلى رغم أنه دان الحركات الإرهابية، لم يدعُ إلى تدابير عسكرية من أجل وقف تقدم «داعش» إلى مدن أخرى عراقية. ولم يبدِ وزير الخارجية البريطاني وقائد قوات «الناتو» رغبة في دعم الحكومة العراقية عسكرياً. والصمت هذا يدل على إعطاء بعض التطمينات إلى «داعش».
ركن الفرضية الأخيرة هو عدم دعم مجلس الأمن والدول الغربية الحكومة العراقية عسكرياً. ولم تحرك الدول الإقليمية، ومنها تركيا والكيان الإسرائيلي، ساكناً إزاء هذه التطورات، وبشرّ بعض وسائل الإعلام الإقليمية بسقوط بغداد، بينما سعى الائتلاف الكردستاني والائتلاف السنّي، وعلى رأسه أسامة النجيفي، إلى اقتناص الفرص السانحة اثر حوادث الموصل. ويثبت دخول قوات البشمركة الكردية إلى كركوك إثر الانسحاب من الموصل، وتسليمها إلى «داعش»، الفرضية هذه.
وهذه التطورات، وعلى رغم أنها تقتصر على ثلاث محافظات عراقية، هي ذريعة نقل صورة قاتمة عن العملية السياسية في العراق. ولا يستخف بأهمية هذه المحافظات والمترتبات الأمنية الناجمة عن سيطرة «داعش» عليها. لكن التصعيد الإعلامي الذي رافق التطورات رمى إلى تضخيمها.
ولا أوجه شبه بين العراق وسورية. فالبنية الطائفية في الأول تختلف عما هي عليه في سورية. فالشيعة في العراق 60 في المئة من السكان، والأكراد 20 في المئة، والجانبان شأن كثر من السنّة العرب، لا يثقان بالدعم العربي. وأوضاع المحافظات السنّية لا تُحتمل لوقت طويل.
ويعاني العراق مترتبات بنية سياسية معقدة. ويطعن الأكراد والسنة في الحكومة المركزية، وأثر موقفهم كبير في تركيبة الجيش والأجهزة الأمنية المولجة الحفاظ على الوحدة الوطنية والدفاع عن استقلال العراق وهيبته السياسية. لذلك، يواجه العراق أزمة بنيوية، وقد تحل الأزمة الأمنية في الأسابيع المقبلة، لكن الأزمة السياسية باقية، وقد تهز العراق أحداث تشبه تطورات الموصل.
ان الخيار الوحيد لجبه هذه التحديات هو تشكيل حكومة أكثرية سياسية والنأي بالجيش عن التركيبة الطائفية والمذهبية والقومية. ويجب إشراك الكرد والسنة في هذه الحكومة من أجل دعم مركزية الحكومة، لا تقويضها.
( المصدر : الإيرانية 2014-06-20 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews