الشركات المساهمة وديمومة الكراسي
لا شك أن الاتجاه العام في العالم هو خصخصة الاقتصاد وإشراك المواطنين في ملكية الشركات من خلال الطرح للاكتتاب العام، وقد نجحت المملكة في تحقيق ذلك ـــــ بشكل أو بآخر ــــ من خلال طرح جزء كبير من ملكية الدولة في شركات الكهرباء والاتصالات وبعض المصارف وغيرها للاكتتاب العام، كما نجحت من خلال تشجيع كثير من الشركات والمؤسسات العائلية للتحول إلى شركات مساهمة من خلال الاكتتاب العام وإشراك المواطنين في ملكياتها.
وعلى الرغم من استغلال هذا التوجه من قِبل قلة من رجال الأعمال بتضخيم رؤوس أموال مؤسسات وشركات معروفة قبل طرحها، ومن ثم جني أرباح طائلة من خلال بيع هذه الشركات على المكتتبين بأضعاف قيمها الحقيقية، وكذا طرح شركات لا تضيف كثيرا إلى الاقتصاد الوطني، فإن هناك شركات أثبتت جدارتها ووجودها وإسهامها الفاعل في الاقتصاد ومسؤولياتها تجاه المجتمع المحلي من خلال إداراتها الناجحة ومجالها الحيوي، وفي المقابل هناك بعض الشركات المساهمة الخاسرة التي تُعد عالة على الاقتصاد وخسارة كبيرة على ملاك أسهمها، وذلك لضعف تطبيق إجراءات ومعايير طرح الشركات والمؤسسات للاكتتاب العام عند تأسيسها؛ الأمر الذي أدى إلى ظهور هذه الأورام السرطانية في جسد الاقتصاد، مما يتطلب معالجة جادة أو ربما استئصالاً عاجلاً.
لا شك في أن متانة الأساس الذي تقوم عليه الشركات عند تأسيسها ووضوح الهدف من طرحها للاكتتاب العام تُعد من أسباب النجاح، لكن مجالس الإدارة تتحمل الجزء الأكبر من إخفاق بعض الشركات المساهمة بعد طرحها. كثير من الشركات المساهمة تدار بعقلية المؤسسات العامة، فيُنظر إلى منصب رئيس مجلس الإدارة، وكذلك عضو مجلس الإدارة في بعض الأحيان بأنه وسيلة لتحقيق الوجاهة الاجتماعية وسبيل لتحقيق بعض المكاسب والمغانم أو المكافآت والتسهيلات، إن لم يكن ــــ أيضاً ـــــ الحصول على معلومات من داخل الشركة. ومع الأسف نتج من هذا الفكر الإداري العتيق سلبيات وفساد واختلاسات لا تخفى على أصحاب الخبرة! هناك شركات كثيرة تربو على 40 شركة لم تحقق أي أرباح تُذكر منذ تأسيسها، بعضها تآكلت رؤوس أموالها بدرجة هائلة تصل إلى أكثر من 70 في المائة؛ ما اضطرها إلى تخفيض رأسمالها، بل تعرّض بعضها للإيقاف عن التداول لعدم الثقة في استمراريتها. وإلى جانب مسؤولية مجالس الإدارة، فإن المساهمين يتحملون جزءاً من المسؤولية لعدم حضور بعضهم اجتماعات الجمعيات العمومية وعدم مطالبتهم بحقوقهم من خلال مساءلة أعضاء مجالس الإدارة، ولا غرابة في ذلك.. ما دامت ثقافة المساءلة غائبة في مجتمعاتنا العربية!
التساؤلات المطروحة بإلحاح هي: ما المبرر وراء استمرار بعض رؤساء وأعضاء مجالس الإدارة لسنوات طويلة تمتد لعقود؟ وما سبب مشاركة عديد منهم في مجالس إدارة أكثر من شركة؟ هل هو لعقم أصاب المجتمع السعودي جعله غير قادر على إنجاب رجال ونساء يستطيعون المشاركة الفاعلة في إدارة الشركات المساهمة؟ أم أن هناك أزمة ثقة في الدماء الشابة الجديدة؟ أم تخوّف من كشف المستور والممارسات غير السوية؟ أم هي ثقافة ''التشبث بالمناصب وديمومة الكراسي؟''
إن نجاح الشركات المساهمة يتطلب وضع آليات واضحة ومعايير دقيقة لاختيار رؤساء وأعضاء مجالس إدارة الشركات تحدد طبيعة القدرات والخبرات المتخصصة التي تحتاج إليها الشركات لتتواكب مع التحولات الاقتصادية والتقنية على المستوى العالمي، وذلك من أجل حماية الاقتصاد الوطني والمحافظة على أموال المساهمين وحقوقهم.
وبناءً عليه، فإن الأمور لا تحتمل التأجيل، بل لا بد من إيجاد تشريعات واضحة وآليات فاعلة لتقييم أداء مجالس الإدارات وتطبيق أنظمة الشفافية والحوكمة، وكذا تشجيع إعادة تشكيل مجالس الإدارة وتطعيمها بدماء جديدة، علاوة على مساءلة مجالس إدارة الشركات الخاسرة التي تجاوزت خسائرها ربع رأس مالها علناً أمام الجمعية العمومية. وأختتم بالقول إن إيجابيات تجديد مجالس الإدارة بشكل دوري لا تقتصر على الشركات الخاسرة، بل سيزيد من نجاح الشركات الناجحة وأرباحها ويوسع أنشطتها وإسهامها في خدمة الاقتصاد الوطني.
( المصدر : الاقتصادية السعودية )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews