إعادة هيكلة دعم المحروقات في الخليج
أصبح الحديث عن إعادة هيكلة الدعم ليس من المحرمات على الأقل في بعض دول مجلس التعاون الخليجي وتحديدا البحرين وعمان والكويت، تعتبر الكويت أحدث دولة خليجية تعلن عن نواياها للحد من الدعم وتحديدا بالنسبة لمنتج الديزل ضمن المشتقات النفطية. الحديث حتى الآن عن إجراء دارسة في الكويت لكن مجرد الإعلان عن ذلك يعد تطورا لافتا بحد ذاته.
تشمل أهداف التوجه أمورا نبيلة مثل الحفاظ على الثروة والحد من هدر الطاقة فضلا عن تعزيز إيرادات الخزانة العامة. ويقال: إن مستوى هدر الكهرباء وصل لحد عدم إغلاق بعض رعايا دول مجلس التعاون لمكيفات الهواء خلال فترات السفر خلال فصل الصيف الطويل بالنظر لعدم تحملهم أعباء مالية ذات أهمية مقابل هكذا تصرف أي تطبيقا لمبدأ الزايد كالناقص.
وفيما يخص البحرين والكويت، هناك سبب إضافي وهو عمليات تهريب الديزل للخارج للاستفادة من فرق السعر. طبعا، دائما هناك أفراد يسعون لتحقيق أموال إضافية متى توافرت الفرصة وعليه يكمن الصواب بالقضاء على السبب، وبلغة الاقتصاد، المطلوب التأثير على العرض لأن طلب اكتساب أموال بطرق مشكوك فيها مسألة دائمة.
التصور الموجود في الكويت يتمحور حول تصور بأن رفع الدعم عن الديزل سوف يوفر نحو 3.5 مليار دولار سنويا من أصل 63 مليار دولار يتم إنفاقها على مدار السنة على أنواع مختلفة من الدعم بما في ذلك توفير سلع مدعومة في الجمعيات التعاونية المنتشرة في الكويت.
بدورها كشفت سلطنة عمان في شهر مايو من العام الجاري عن إمكانية خفض دعم البنزين بهدف تعزيز الوضع المالي للسلطنة. وليس من باب الصدفة الإعلان عن الخطوة المحتملة في أعقاب تحذير أصدره صندوق النقد الدولي مفاده إمكانية تعامل السلطنة مع عجز قدره 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2015، بل قد يقفز إلى أكثر من 11 بالمائة مع فرضية تراجع إيرادات الصادرات تماشيا مع انخفاض أسعار النفط. في المقابل، حققت موازنة السلطنة فائضا قدره 1.3 مليار دولار في السنة المالية 2013 لكن الأمور قد تختلف مستقبلا في حال عدم حصول تغييرات في طريقة الدعم.
وكانت سلطنة عمان قد قررت اتخاذ خطوات لمواجهة تحد اجتماعي واقتصادي وسياسي طفح للسطح بداية 2011 بصورة احتجاجات. وكرد فعل لواجهة المطالب، قررت الحكومة تقديم مبالغ شهرية للباحثين عن العمل فضلا عن إيجاد الآلاف من فرص عمل جديدة للمواطنين في مؤسسات الدولة خصوصا الأمنية والعسكرية لأنه من الممكن استيعابهم في هذه المؤسسات.
وبالنسبة للبحرين، تقدر قيمة الدعم المقدم للمشتقات النفطية والمواد الأساسية مثل الكهرباء والسلع الرئيسية مثل الطحين 3.4 مليار دولار أي نحو 11 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للدولة وقدره 30 مليار دولار في العام 2013. ويلاحظ أن الغاز والمشتقات النفطية تمثل 47 بالمائة و20 بالمائة على التوالي من قيمة الدعم الأمر الذي يعكس الأهمية للقطاع النفطي في برنامج الدعم في البحرين.
حقيقة القول، يمكن تفهم توجه البحرين وعمان والكويت بالحد من دعم في الديزل لأنه أساسا موجه للقطاع الصناعي. لا شك، المفروض من المؤسسات خصوصا الصناعية منها عدم الاعتماد على منتجات مدعومة خصوصا في ظل المنافسة العالمية.
ويلاحظ في هذا الصدد فرض الاتحاد الأوروبي تعريفات جمركية مرتفعة نسبيا على المنتجات الصناعية مثل الألومنيوم والبتروكيماويات من دول مجلس التعاون حفاظا على مبدأ التنافسية. تحصل الشركات الصناعية على مصادر طاقة مدعومة مثل الغاز والكهرباء ما يعني حصولها على ميزة تنافسية مثل الحد من النفقات التشغيلية.
من جهة أخرى، ربما لم تأخذ دول مجلس التعاون الخليجي مسألة السكان بعين الاعتبار بشكل دقيق عند تبني خيار دعم السلع للجميع. والإشارة بكل تأكيد إلى الطفرة السكانية لسبب جوهري وتحديدا الأجانب أو العمالة الوافدة والذين بدورهم يتمتعون بمزايا دعم المواد والمنتجات.
فاستنادا لدراسة مستفيضة من إعداد وحدة الاستقصاء بمجموعة الإيكونومست البريطانية لحساب مركز قطر المالي، ارتفع حجم السكان في دول الخليج الست من نحو 40 مليون نسمة في 2008 إلى أكثر من 41 مليونا في 2010. كما توقعت الدارسة نفسها بارتفاع عدد السكان إلى قرابة 48 مليونا في 2015 وصولا إلى أكثر من 53 مليونا في 2020.
وهذا يعني توقع الدارسة نمو السكان في دول مجلس التعاون الخليجي لأكثر من الثلث في الفترة ما بين 2008 و2020 أي في حدود 3 بالمائة سنويا وهي نسبة يجب القبول بها في ظل الاستمرار المستمر لتوافد الأجانب.
وحسب نفس الدارسة، يشكل الأجانب أكثرية السكان في أربع دول خليجية وهي قطر والإمارات والكويت والبحرين ما يعد أمرا لافتا على مستوى العالم. وبشكل أكثر تحديدا، يشكل الأجانب 87 بالمائة و81 في المائة و68 بالمائة و52 بالمائة في كل من قطر والإمارات والكويت والبحرين على التوالي. وربما حصل تغيير نسبي في الإحصاءات وبكل تأكيد لصالح الأجانب.
وفي كل الأحوال، تمثل العمالة المغتربة أغلبية القوى العاملة في جميع دول مجلس التعاون الخليجي بلا استثناء وهي من الحالات الاستثنائية على مستوى العالم الأمر الذي يعكس حالة الانفتاح للاقتصادات الخليجية.
ختاما من الأفضل منح الدعم بل وتعزيزه لغير المقتدر. الوضع الحالي غير طبيعي وغير مثالي حيث يحصل المقتدر وغير المقتدر على حد سواء على سلع ومنتجات مدعومة.
كما لم يمكن التغاضي عن مسألة الفرص الضائعة بسبب برامج الدعم من خلال عدم توريد أموال للموازنة العامة وبالتالي الحد من النفقات. ربما يكون من الأفضل صرف الأموال على أمور تخدم الحالة التنافسية للاقتصادات مثل تعزيز البنية التحتية.
( الشرق 16/6/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews