إعادة تدوير الثقة رأسماليا
جي بي سي نيوز :- استكمالا لحديثنا في الأسبوع الماضي عن الاستخلاف وكيف أن مسؤوليته تنقسم بين المُلاك وأعضاء مجالس الإدارات. تستحضرنا في هذا السياق قصة أخرى عن شركة تاتا، وهذه المرة عن شركة تاتا للحديد التي تم طرحها في السوق المالية عام 1907م، حيث إن الأسعار انخفضت بشكل كبير في أعقاب الزلزال الذي ضرب اليابان عام 1924م، وأصبحت الشركة على حافة الانهيار لدرجة أن الإدارة المالية للشركة آنذاك أفادت مجلس الإدارة بأنه لا يوجد ما يكفي لدفع الرواتب الشهرية للموظفين. فقامت العائلة ممثلة في السيد دوراب وإخوته بوضع ثروتهم بما فيها مجوهرات خاصة للحصول على قرض بنكي. وعلاوة على ذلك لم تقم الشركة بتوزيع أي أرباح لمدة 13 عاماً حتى تمكنت من استعادة قوتها ومكانتها السوقية. وكل ما سبق تعززه كلمات رئيس مجلس الإدارة الحالية للشركة، قائلاً إنه لم يكن الغرض يوماً من الأيام هو تحقيق الثروات الشخصية الضخمة، وعليه لم تتأثر قراراته يوما من الأيام بذلك.
وفي السياق ذاته، نذكر تضحية المؤسس ساكيشي تويوتا الذي بدأ بورشة نجارة صغيرة. وكان تويوتا دائما يقول لابنه إن خدمته لمجتمعه تتمثل في تقديم أعمال مبتكرة في مجال النجارة، وكان دائما ما يحثه على التخصص في مجال يمكنه من خلاله خدمة مجتمعه. خلاصة القول إن هذه الورشة تطورت حتى أصبحت أول شركة تأسست عام 1926م باسم شركة تويوتا للصناعات، ومنها تمكن المؤسس تويوتا من جمع الأموال اللازمة لتأسيس شركة تويوتا للسيارات عام 1930م. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، واجهت الشركة أزمة مالية خانقة جراء الانخفاض الحاد في مستوى المبيعات حتى أصبح حجم الديون المتراكمة يمثل ثمانية أضعاف رأس المال، رافق ذلك إعادة هيكلة شاملة للشركة مع تخفيضات كبيرة في الأجور، وفصل للعديد من الموظفين، ما أدى إلى تظاهرات ميدانية حاشدة وضغوط كبيرة من جانب ملاك الأسهم.
قام المؤسس تويوتا يومها بتحمل المسؤولية كافة، وقام بالتنحي عن منصبه كرئيس لمجلس الإدارة. أدى ذلك إلى خروج العديد من العمال بشكل ودي، والتوصل إلى حل مرضٍ لجميع الأطراف، حيث إن الاعتقاد السائد بين الكل أن رئيس مجلس الإدارة يجب أن يتحمل المسؤولية كاملة لما حصل. ما قام به تويوتا من تضحية بالنفس من أجل إنقاذ الشركة أصبح اليوم يمثل فلسفة، بل أكثر من ذلك منهاج عمل في صميم ثقافة الشركة. إن المصلحة العليا للكيان على المدى الطويل تتعدى المصلحة الفردية الآنية.
فالشركة لم تكن لتتوصل لأي تسوية إلا بخروج تويوتا من إدارة الشركة، ثم إن الاقتصاديين آنذاك أجمعوا على أن انهيار الشركة ذاك الوقت يعزى لظروف على مستوى الاقتصاد الكلي، بمعنى أنها خارجة تماما عن سيطرة تويوتا، ولم يكن له بأي حال من الأحوال أن يقوم بمنع ما حصل.
تخبرنا الأمثلة السابقة وغيرها الكثير، أن الشركات تتغير وتنمو على مدى السنين استجابة للعديد من المتغيرات في بيئة العمل، ولكن تبقى القيم الأساسية التي قامت عليها الشركة، وبقدر تمسك الشركة بتلك القيم تكون استمرارية الشركة. كما أن الغرض من الشركة لا يمكن أن يتمثل في تحقيق المكاسب السريعة على حساب أحد أصحاب المصالح ولا سيما المجتمع الذي تعمل فيه الشركة.
وارين بافت، الذي ينظر إليه الكثير كأحد أكبر المستثمرين المعاصرين أجاب حين سئل عن كيفية بناء ثروته، بأنه يقوم بتحديد الشركات التي لها أكبر معدلات نمو بمعايير محددة أهمها مجالس إدارة قوية لديها خطط واضحة للمدى البعيد، كما تقوم على أساس الابتكار الدائم، وتسعى بشكل أساسي للريادة القطاعية، وقد لخص وارين كل ذلك حينما قال إن الثقة سلعة غالية فلا تسترخصها بأن تعطيها لمن لا يستحقها.
والرسالة التي يجب أن يعيها تماما جمهور المستثمرين: اعرف لمن تمنح ثقتك لتعرف اتجاه استثماراتك.
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews