خارج النص

مازلت على قناعتي بأن ما يتفاعل الآن في شأن مونديال قطر 2022، مازال زوبعة في فنجان.. وحتى ولو تحولت الزوبعة إلى إعصار، فسيبقى أيضاً داخل الفنجان نفسه!

لا أقول ذلك من باب تبرئة القطريين، فلست مايكل غارسيا كي أبرأ أو أدين، بل مازلت مثلكم أنتظر نتيجة تحقيقاته التي من المفترض أن يكون اليوم آخر أيامها، كما سبق أن وعد، لكنني أقول ذلك من خلال خبرتي في فنجان «فيفا» ومعرفتي ببيته الزجاجي الذي نجح عرابه السويسري جوزيف بلاتر في أن يجعله غير قابل للكسر، من خلال شبكة غاية في التعقيد من المصالح والعلاقات التي تجمع دولاً وأفراداً، إذا أردنا أن نقطع إحدى وشائجها فإن ذلك يعني انهياراً وسقوطاً مؤكدين لجمهورية كرة القدم ونظامها برمته!

تابعت بشغف بالغ كل ردود الأفعال التي تلت زلزال «ملايين الوثائق» الذي أحدثته صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية الأسبوع الماضي، وحتى ما نشرته أمس، عن إبرام محمد بن همام العضو السابق باللجنة التنفيذية لـ«فيفا» بمشاركة زميله العضو الحالي باللجنة، التايلاندي واراوي ماكودي، صفقة مد قطر تايلاند بالغاز، وكذلك اجتماع ابن همام مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو قبل حوالى الشهرين من تصويت «فيفا» على اختيار البلدين المنظمين لمونديالي 2018 و2022، وعلى ما يبدو فإن متابعة ما ستنشره «صنداي تايمز» كل أحد سيصبح عادة أسبوعية لي ولكثير من المهتمين بهذا الشأن، عادة أتصور أنها ستستمر معنا حتى عام 2022، طالما أنها تمتلك ملايين الوثائق التي لا يمكن نشرها كلها في أسابيع وشهور، بل يحتاج إلى أعوام طويلة.

وأنا هنا لا أستخف بما تنشره على الإطلاق، بل أكرر ما قلته من قبل وهو احترامي الكبير لما تقوم به، وذلك من جانب مهني بحت، هذا إذا نحينا جانباً الغرض من النشر وتوقيته وتوظيفه.

نعم قلت الأسبوع الماضي إنه حتى ولو انتهت تحقيقات غارسيا بإدانة ممارسات قطرية غير مشروعة منحتها حق تنظيم مونديال 2022، فسيكون من الصعب إعادة التصويت، والسبب الرئيس وراء ذلك هو أنه يجب علينا هدم بيت «فيفا» على من فيه أولاً وتنظيفه من الفساد الذي تغلغل في كل أركانه قبل أن نهم بإعادة التصويت. فإذا افترضنا جدلاً أن القطريين دفعوا، فإن قيادات «فيفا» ورؤساء دول وحكومات كبرى هم من قبضوا! فهل هناك من يملك القوة والقدرة للقيام بهذه المهمة؟! أشك في ذلك.

وإليكم ملاحظة تستند إلى الأرقام والمنطق، قطر حصلت في اقتراع «فيفا» على 14 صوتاً من أصل 22 عضواً أدلوا بأصواتهم في كانون الأول (ديسمبر) 2010، ومنذ ذلك الحين حتى الآن خرج من تشكيل اللجنة التنفيذية تسعة أعضاء، أي أن من بين أعضاء اللجنة التنفيذية الحالية هناك 13 عضواً شاركوا في تصويت 2010، ولو افترضنا جدلاً أن جميع الأعضاء التسعة الذين خرجوا كانوا من بين الذين صوتوا لقطر، فهناك خمسة أعضاء مشبوهون موجودون الآن بين تشكيل اللجنة الحالية!

علماً بأنني على يقين بأنه ليس كل من خرجوا صوتوا لمصلحة قطر، فالألماني بيكنباور لم يصوت لها، ومن غير المعقول أن يكون الأميركي تشاك بليزر هو الآخر منح قطر صوته على حساب بلده، أي أن الخمسة الحاليين ربما يكونون سبعة وربما عشرة! فالقضية ليست إعادة التصويت بقدر ما هي: من الذي سيصوت اليوم؟

وإليكم أيضاً واحداً من أهم التصريحات وردود الفعل التي خرجت بعد تقرير «صنداي تايمز» الأسبوع الماضي والذي يبرهن على صحة كلامنا، مارك بيث رئيس لجنة الحوكمة المستقلة بـ«فيفا» والمنوط به تسلم نتيجة التحقيقات من غارسيا قال: «الادعاءات التي تضمنها تحقيق «صنداي تايمز» سيزعزع «فيفا» من أساسه، وللمرة الأولى سيجد «فيفا» نفسه مضطراً إلى أن يوازن بين إعادة التصويت وبين التداعيات الضخمة التي ستكلفه مليارات الدولارات، علماً بأن قرار إعادة التصويت سيواجه بدرجتي استئناف، ربما تستغرقان عامين أو ثلاثة، ومع استمرار تنفيذ المشاريع القطرية ستكون التكلفة باهظة جداً ليس باستطاعة «فيفا» تحملها. وفي الوقت ذاته من يأتينا بالدليل؟ فرسائل البريد الإلكتروني والتحويلات المصرفية ربما تكون صحيحة أو غير صحيحة، وبالتالي تحتاج إلى الخضوع لتحقيقات معمقة غاية في التعقيد»!

مرة أخرى وثالثة وعاشرة، لا أدافع هنا عن أية ممارسات غير مشروعة من أي طرف، وبخاصة أننا طالما تغنينا بالنزاهة والشفافية الغائبتين تماماً من بيت «فيفا» سيئ السمعة، لكنني أرصد واقعاً وأحلله كي لا أهيم مع الهائمين، ولا يغيب عنا أن الأميركان والإنكليز والألمان هدفهم الرئيس بلاتر وقيادته لـ«فيفا»، وبلاتر هدفه ضرب بلاتيني والبقاء في كرسي الرئاسة في انتخابات 2015.

أخيراً، من حق شركة «سوني» اليابانية مطالبة «فيفا» بالتحقيق في وثائق «صنداي تايمز» عن ملف قطر 22، لكنني هنا سأكتفي فقط بسؤال القائمين على الشركة، وأحتفظ بالإجابة لنفسي: «ماذا قدمت شركة سوني لـ«فيفا»، وبالتحديد لجاك وارنر، لتفوز اليابان بالتنظيم المشترك لمونديال 2002 مع كوريا»؟! دائماً يفوتهم أن التاريخ لا يموت!

( الحياة السعودية 10/6/2014 )