قطر 2022 وهستيريا الإعلام الغربي
فوز قطر باستضافة كأس العام 2022 أزعج الكثيرين وضرب في الصميم كبرياء الدول التي تعتبر نفسها عظمى ولها امتيازات وحقوق على الآخرين. الظاهر أن الإعلام البريطاني وغيره لم يجد أمامه سوى شن حملات إعلامية، مستخدما كل الوسائل والطرق وكل الافتراءات للمساس بدولة قطر وسمعتها. فتارة يتم استخدام موضوع حقوق العمال وظروف عملهم وتارة أخرى يتم استخدام عدد العمال الذين لقوا حتفهم أثناء بناء ملاعب المونديال. ومؤخرا أتحفتنا جريدة "الدايلي تيليجراف" بحملة أخرى، متهمة شخصيات بارزة في عالم الكرة وإدارتها من حجم ميشال بلاتيتي رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بالحصول على الرشوة للتصويت لصالح قطر لاستضافة كأس العالم 2022. الصحافة البريطانية والغربية ما زالت لم تصدق إلى حد الساعة كيف لا تمنح بريطانيا تنظيم كأس العالم وكيف تنافسها على ذلك دولة صغيرة بحجم دولة قطر. ومن هنا جاء خروج الإعلام الذي يتغنى بالمهنية والحرفية والموضوعية عن المسار الصحيح والخوض في غمار المصالح السياسية والاقتصادية التي تحرك في واقع الأمر الآلة الإعلامية. فعندما تخوض صحيفة في مثل "الديلي تليغراف" في موضوع استقصاء، فالغرب الذي يتغنى بحرية الصحافة وأخلاقيتها وموضوعيتها ونزاهتها يتناسى أن الاستخدام غير المسؤول لمهنة الصحافة يبقى وصمة عار على جبين مؤسسات إعلامية كبيرة في التاريخ وفي الممارسة. فعندما تشن بعض المؤسسات الإعلامية الغربية حربا على قطر وبدون أدلة قاطعة وحجج دامغة نعرف أن النية ليست سليمة وأن القصد لا علاقة له بخدمة الحقيقة وحرية الكلمة. فعندما يفتح الإعلام الغربي موضوع حقوق العمال في قطر، ونحن نعلم أن العمال في قطر وفي دول خليجية أخرى موجودون منذ عقود من الزمن، فلماذا يطرح هذا الموضوع في هذه الفترة بالذات ولماذا قطر دون غيرها؟.
وعندما يركز الإعلام الغربي على العمال الذين لقوا حتفهم في ورش بناء ملاعب كرة القدم التي ستجرى عليها مباريات كأس العالم 2022، لكن الغريب في الأمر أن العمل في هذه الملاعب لم يبدأ أساسا. أما بالنسبة لموضوع الرشوة فهاتوا برهانكم يا "دايلي تليغراف" إن كنتم صادقين. فإذا كان هناك كلام ونقاش بين بن همام وبلاتيني فهذا يعني أن هناك عملية رشوة. وهنا نلاحظ التلاعب بأبجديات العمل الصحفي الذي تتقنه جيدا الصحيفة البريطانية عندما تريد وتتجاهله كليا عندما تنوي شن حملة شعواء على دولة صغيرة في الحجم لكن كبيرة في الخريطة الجيوسياسية العالمية.
بمنطق الغرب كيف لدولة صغيرة مثل قطر تنظيم كأس العالم؟ وكيف لا تحظى بريطانيا الإمبراطورية السابقة التي لا تغيب الشمس عنها بتنظيم كأس العالم سنة 2022؟ الإنجليز ما زالوا يحلمون بتنظيم كأس العالم وما زالوا يحلمون بإعادة التصويت وبذلك إلغاء القرار السابق ومنح التنظيم لبريطانيا. فالحملات الإعلامية، بل الدعائية، إن صح التعبير، التي طالت دولة قطر تخرج جملة وتفصيلا عن إتيكيت الصحافة التي تتغنى بها بريطانيا و"الدايلي تليغراف". فالأدلة واهية والاتهامات لا أساس لها من الصحة، بل إن وجدت الأدلة لماذا لا تقدم للهيئات الدولية المعنية؟ ولماذا لم ترفع دعوة قضائية رسمية ضد الفيفا ومحاكمتها أمام الملء في محكمة دولة متخصصة في ذلك.
يبدو أن ثقافة الاستعمار والاستعلاء والأبوية ما زالت تراود أذهان الإنجليز وأن الحنين إلى الماضي ما زال يراود "الدايلي تليغراف"، الجريدة التي ضربت عرض الحائط أخلاقيات ومبادئ العمل الصحفي الموضوعي والملتزم. فرئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم السيد ميشال بلاتيني في بيان رسمي له ندد بـ"شائعات لا أساس لها هادفة إلى تشويه" صورته. ويستغرب بلاتيني من استنتاج عملية الرشوة بمجرد لقائه مع بن همام رئيس اتحاد آسيا لكرة القدم سابقا والعضو السابق في اللجنة التنفيذية للفيفا -الاتحاد الدولي لكرة القدم. يقول بلاتيني: "أجد أنه من المدهش أن محادثة مع زميل في اللجنة التنفيذية للفيفا في تلك الحقبة قد تتحول إلى مؤامرة. بالطبع التقيت بالسيد بن همام لعدة مرات في عام 2010، بما أننا كنا سويا في اللجنة التنفيذية في الفيفا منذ عام 2002. في تلك المحادثات مع السيد بن همام، كان موضوع النقاش الترشح إلى رئاسة الفيفا.
سعى السيد بن همام في الواقع إلى إقناعي بالترشح لرئاسة الاتحاد الدولي سنة 2011". ومن هنا يتجلى أن الأمور اختلطت على الصحيفة البريطانية التي أصبحت لا تفرق ما بين التخمينات والوقائع وما بين الخبر والرأي وما بين التمنيات والحقيقة. فالجريدة التي تدعي المهنية والحرفية تستعمل كل تقنيات التأطير والتنميط والتوظيف لتمرير آراء وأفكار وقصص من أجل الوصول إلى هدف محدد وهو إلغاء وإبطال فوز قطر باستضافة كأس العالم 2022 وإعادة عملية التصويت حتى تفوز إنجلترا باستضافة كأس العالم 2022.
ومن هنا نلاحظ أن ما تقوم به الصحافة البريطانية وغيرها من الإعلام الغربي هو دعاية صريحة وتوظيف سياسي غير أخلاقي لمهنة الصحافة لتحقيق أهداف محددة لا علاقة لها بالبحث عن الحقيقة وحق الفرد في المعرفة.
( الشرق 8/6/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews