أسطورة أفول الامبراطورية الأميركية

 تقلص الولايات المتحدة نفقاتها العسكرية، في وقت ترفعها الصين ضعفين. ولكن هل هذا مؤشر إلى أفول أميركي، إثر الإخفاق في العراق وإفلاس «ليمان براذرز»؟ الحال أن التكهن بالأفول هو لازمة ثابتة في الحياة السياسية الأميركية. فمنذ 1945، ينبعث الكلام على مثل هذا الأفول كل عشرة سنين أو 15 سنة ثم يغيب كأنه يعس تحت الرماد قبل أن يتأجج مجدداً. والكلام على الأفول الأميركي دوري وكأن كل جيل يسلمه إلى الجيل التالي. في كتابي «أسطورة الأفول الأميركي: الساسة والاقتصاد في نصف قرن من التكهنات الكاذبة»، أشرح كيف أن الأفول هو مرآة حيرة وشك مزمنين يلمّان بالنخب الأميركية. فهذه لا تتوقف عن التفكير في احتمال ديمومة دور بلادها الريادي. ولازمة الكلام على الأفول هي إحدى أدوات الطبقة السياسية لرص صفوف الرأي العام الأميركي و«الضغط» على الكونغرس. وتتوسل هذه الطبقة لبلوغ مآربها حادثتين بارزتين: تذكير الأميركيين بهجوم بيرل هاربر في 7 كانون الأول (ديسمبر) 1941. وفي الرابع من تشرين الأول (أكتوبر) 1957، أرسل الاتحاد السوفياتي قمراً اصطناعياً (سبوتنيك) إلى الفضاء الخارجي. فسعى الأميركيون إلى إثبات تفوقهم، وفي 1969 نجحوا في إرسال أول إنسان إلى الفضاء.

وفي مطلع الستينات، توجه جون كينيدي إلى الرأي العام واستماله عبر تسليط الضوء على «هوة صاروخية» بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، في وقت كانت بلاده متفوقة نووياً عليه. فعدد الرؤوس النووية الأميركية كان أكبر بكثير من نظيره السوفياتي. وبعد عقدين، أطلق رونالد ريغان برنامج تسلح كبيراً، إثر شنه حملة انتخابية تحذّر من تراجع مكانة بلاده ونزول المهانة بها في عهد سلفه الرئيس جيمي كارتر.

ولا شك في أن الولايات المتحدة هي القوة الأبرز منذ قرن. وحاجتها لم تفتر إلى من يتحدى قوتها. فالتحدي هو جسر إلى قياس النفوذ ومقارنة القوة الذاتية بقوة الغريم والمضي قدماً في التسلح والإعداد لمواجهة محتملة. وقبل عامين من سقوط جدار برلين، أعلن المؤرخ بول كينيدي أن بلاده «تسيء تقويم قدراتها الفعلية». ولسان حال «الأفوليين» هو: «ما مصير أميركا التي تفوقت على الاتحاد السوفياتي، في مواجهة الصين في المستقبل؟ والتيار «الأفولي» الجديد في أميركا يتغذى من تعثر دوران العجلة السياسية الثنائية القطب في واشنطن، وتوسع هوة اللامساواة الاجتماعية، والهشاشة الاقتصادية وتذرر العالم إلى أقطاب إقليمية.

لكن أميركا مازالت إلى اليوم في منأى من «الأمراض» التي فتكت بغيرها من كبرى الامبراطوريات، من الامبراطورية الصينية القديمة، مروراً بحكم آل هابسبورغ وصولاً إلى الاتحاد السوفياتي. ففي الأعوام الخمسة الأخيرة، بقيت حصة الولايات المتحدة من الناتح المحلي على حالها. ونموذج «الحريات – الابتكار» هو سد منيع في مواجهة نموذج «رأسمالية الدولة» الصيني. وثمة بطل أثير على قلبي في الامبراطورية الأميركية هو فريديريك تيرمن، الأستاذ في ستانفورد «ومبتكر» وادي السيليكون. وحين «تلد» الصين من يضارعه أو نسختها من فريديرك تيرمن، يزف أوان تقاسم أميركا الريادة مع بكين.

( المصدر: لوموند الفرنسية 2014-06-04 )