تعزيز وتنامي التجارة البينية الخليجية
تشهد اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي مستويات نمو بطيئة لكن ثابتة فيما يخص حجم التجارة البينية بين الدول الست. ويمكن الزعم، دون مبالغة، بأن تعزيز التجارة البينية ليس بالأمر الهين بالنظر لكون الاقتصادات الخليجية منافسة وليس بالضرورة مكملة لبعضها الآخر.
مهما يكن من أمر، يكتسب موضوع تعزيز مستويات التجارة البينية أهمية خاصة، حيث ينظر إليه بمثابة مقياس لنجاح المنظومة الخليجية في تحقيق التكامل الاقتصادي. الأسبوع الماضي فقط تم الاحتفال بمرور الذكرى 33 على تأسيس مجلس التعاون الخليجي. يشار إلى أن تاريخ تأسيس هذه المنظومة الخليجية يعود إلى 25 مايو 1981 في إمارة أبو ظبي بالإمارات العربية المتحدة.
حقيقة القول، شكل موضوع تعزيز التجارة البينية بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي أحد الأهداف المعلنة لإيجاد الكيان الخليجي. بيد أنه لا يمكن تجاهل الأهمية النسبية للأمن والدفاع بالنظر لإنشاء المنظومة على خلفية الحرب العراقية-الإيرانية.
وتبين حديثا بأن مستوى التجارة البينية بين الدول الست حقق نموا قدره 5.5 في المائة في العام 2013 وصولا للرقم 93 مليار دولار. في المقابل، الرقم المعلن للصادرات والواردات بين الدول الست للعام 2008 عبارة عن 88 مليار دولار.
مؤكدا، لا يمكن اعتبار المبلغ المشار إليه متميزا بشكل استثنائي بالنظر لتشكيله قرابة 10 في المائة فقط من قيمة الصادرات والواردات للمنظومة الخليجية مع العالم الخارجي. ومؤكداً أيضا، لا يقترب هذا الرقم من مستويات التجارة البينية المتحققة في بعض الكيانات الاقتصادية الأخرى.
تبلغ نسبة التجارة البينية بين دول الاتحاد الأوروبي نحو نصف التجارة الكلية للدول الأعضاء وعددها 28 بالنظر لتباين وليس تكامل الاقتصادات بعضها مع الآخر. للتوضيح، تتمتع ألمانيا بقدرة تصنيع السيارات والأجهزة المعمرة مثل المعدات. في المقابل، لدى إسبانيا ميزة تنافسية في مجال الإنتاج الزراعي. طبعا، يتم التبادل التجاري بين دول الاتحاد الأوروبي بحرية كاملة ودون أي تعريفات جمركية.
كما تبلغ نسبة التجارة البينية 23 في المائة بين اتحاد دول جنوب شرق آسيا المعروف اختصارا باسم آسيان. يتكون هذا الاتحاد من 10 دول أعضاء وهي إندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلند وبروناي وفيتنام ولاوس وبورما وكمبوديا. إضافة إلى ذلك، تبلغ مستويات التجارة 41 في المائة بين الدول الثلاثة الأعضاء في اتفاقية التجارة الحرة لشمال أمريكا وهي الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.
وربما تعتبر المقارنة لا مبرر لها بالنظر لمستوى التمايز بين المنظومات المختلفة. لا شك، تتميز دول مجلس التعاون الخليجي بتصدير النفط، ما يعني بالضرورة بأن اقتصاداتها غير مكملة لبعضها الآخر. بمعنى آخر، تتنافس الدول الست فيما بينها على الصعيد الدولي فيما يخص تصدير النفط الخام. ويعود الأمر إلى الأهمية النسبية الكبيرة للقطاع النفطي لدول مجلس التعاون الخليجي.
لحسن حظ دول مجلس التعاون الخليجي المصدرة للنفط، تتراوح أسعار النفط بين 100 دولار للبرميل لعدة سنوات متتالية أو منذ توجه دول مجموعة العشرين لمعالجة التحديات المالية التي أعقبت ظهور أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة في العام 2008. شملت إجراءات مجموعة العشرين تشجيع الاستهلاك المحلي من جهة وتعزيز النفقات العامة من جهة أخرى أينما كان ممكنا.
المعروف بأن السعودية الدولة العربية الوحيدة العضو في مجموعة العشرين والتي تضم كبرى الاقتصادات العالمية، مثل الولايات المتحدة والصين والهند واليابان وتركيا وإندونيسيا والبرازيل وروسيا، وعدد من دول الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
وليس من المستغرب تمتع دول مجلس التعاون الخليجي بسجل حافل فيما يخص تحقيق فوائض مالية في الحسابات الجارية. فقد سجلت الدول الست فائضا تجاريا قدره 558 مليار دولار في العام 2012 ما يعد رقما مميزا في هذا المجال. لا شك، يعود سبب جوهري لتحقيق ذلك إلى بقاء أسعار النفط مرتفعة لفترة زمنية لأسباب تشمل استمرار النمو الاقتصادي العالمي والتوتر المستمر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الغنية بالنفط.
حقيقة القول، تتميز دول مجلس التعاون الخليجي بمزايا تشمل الانفتاح على التجارة العالمية. على سبيل المثال، تشكل الصادرات والواردات نحو 135 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبحرين وعليه تعتبر الأكثر اعتمادا على التجارة الدولية في المنظومة الخليجية. يعود الأمر بشكل جزئي إلى كون البحرين صاحبة أصغر اقتصاد بين الدول الست، كما تستفيد البحرين من اتفاقية التجارة الحرة المبرمة مع الولايات المتحدة والتي دخلت حيز التنفيذ في أغسطس 2006. وفي هذا الصدد، تمر بعض المنتجات والسلع الأمريكية عبر البحرين قبل الاستقرار في دول خليجية أخرى.
في المقابل، تعتبر الكويت الأقل اعتمادا بين دول مجلس التعاون على التجارة، حيث تشكل الصادرات والواردات 77 في المائة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. تعتبر القيمة المرتفعة للدينار الكويتي، حيث الحاجة لتحويل ثلاثة دولارات ونصف الدولار للحصول على دينار، عائقا أمام التصدير.
بالنظر للأمام، يتوقع تعزيز دول مجلس التعاون الخليجي، وبشكل تدريجي، عملية وآفاق التكامل الاقتصادي على خلفية ظاهرة ضخ أموال ضخمة في اقتصادات المنظومة الخليجية. الحديث عن ضخ مليارات الدولارات على مشاريع تتميز بالكلفة الباهظة في الاقتصادات الخليجية.
فحسب دراسة لمجلة ميد المتخصصة في اقتصادات دول منطقة الشرق الأوسط، تبلغ قيمة المشاريع التنموية حتى العام 2025 نحو تريليون أو ألف مليار دولار. تغطي الأموال مشاريع ترتبط بكأس العالم في العام 2022 في قطر وإكسبو دبي في 2020 وتأسيس شبكات للقطارات في بعض المدن الرئيسية في دول مجلس التعاون مثل الرياض وأبو ظبي والدوحة.
فمن شأن المشاريع فتح آفاق تحقيق مزايا تنافسية، خاصة في بعض الدول الخليجية، مثل قطاعات الخدمات، خصوصا الضيافة والطيران في دبي وأبو ظبي والدوحة.
( الشروق 2/6/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews