حديث الساعة في أوروبا: الفاشية لن تمر
لم يُفاجئ أي شيء في الانتخابات التي أجريت في الايام الاخيرة للبرلمان الاوروبي، ما عدا المفاجأة نفسها. فمن تجول في الاشهر الاخيرة في ممرات البرلمان الاوروبي ومفوضية الاتحاد الاوروبي رأى كثيرا من الاشخاص تركوا اعمالهم لأنه اتضح لهم أنه سيجلس في مقاعدهم ناس اليمين المتطرف الذين يعارض كثيرون منهم مجرد وجود الاتحاد الاوروبي. إن اوروبا مذعورة من نفسها ولا سيما فرنسا. وهي تسأل نفسها ماذا حدث وأين اخطأت، وتسأل في الاساس ـ ماذا نفعل الآن؟ لكن لا حاجة في الحقيقة الى مسار تخبط طويل. فالواجب هو أن يُجمع باجراء طاريء بين الاشتراكيين الديمقراطيين والمسيحيين الديمقراطيين، أو الوسط – اليسار أو الوسط – اليمين لمواجهة الثلث المتطرف المعادي لاوروبا والمعادي للسامية والمعادي للاسلام، والمعادي للديمقراطية في الاساس.
تعرف اوروبا جيدا ما يحدث حينما لا يكون الوضع الاقتصادي مؤكدا، وحينما تطغى البطالة وتعلو الاصوات المعارضة للديمقراطية. حينها تكون سهولة الانجرار غير المحتملة وراء من يجدون أكباش الفداء (المهاجرين والغجر والآخرين جميعا) في مقابل عدم مبالاة الطبقة المتوسطة المثقفة. ولا يجوز أن ندع هذا المسار يقع مرة اخرى، والمانيا مثال جيد والنمسا ايضا. فقد وجدت الجهات المسؤولة في الجهازين السياسيين قاسما مشتركا بينها دون جهد كبير، وصارت تعمل معا من اجل نمو اقتصادي ولمقاومة العنصرية والتطرف.
وهذا ما يجب على اوروبا أن تفعله الآن وهو أن تجمع القوى فورا وأن تعلن حربا لكل الاحزاب العنصرية التي تعدنا بأنها ليست نازية جديدة، وليست فاشية بالضبط بل هي قومية ببساطة (بل إن عددا منها يحبنا ويطلب قربنا بصفتنا يهودا أو اسرائيليين). وليس ذلك بسيطا. توجد فروق تاريخية بين التصورين الايديولوجيين اللذين قادا الديمقراطيات الاوروبية في تناوب منذ انتهت الحرب العالمية الثانية. الاول محافظ ويرى السوق الحرة هي الحل لكل امراض العالم، ويريد أن يضائل قوة النقابات المهنية ويعتقد أن ارباب الاعمال أعلم من العاملين بما هو خير لهم، ويريد أن يضائل مشاركة الدولة ومسؤوليتها الميزانية عن التربية والرفاه، ويرى أن الفروق بين الطبقات هي معطى ينبع من طبيعة الانسان.
ويؤمن الآخر بمشاركة مهمة للدولة لضمان اساس اقتصادي لكل المواطنين، ويدعم النقابات المهنية، وهو أكثر علمانية ويناضل عن حقوق الانسان. لكن اوروبا في منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين هي اوروبا مختلفة.
ففي دول كثيرة توجد سياسة رفاه اقتصادي غير متغيرة تقريبا. وقد خفت جدا الصراع الايديولوجي الشديد ـ الذي وجد الى أن غابت مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا الاسطورية ـ بين اليمين واليسار في اوروبا. ويبرز ذلك جدا في جميع الدول الاسكندنافية وفي المانيا، لكن توجد على ذلك شواهد لا يستهان بها في بريطانيا وفرنسا ايضا. وينبع الفرق بين اليسار واليمين في ايطاليا من طبيعة برلسكوني الاشكالية لا من فروق ايديولوجية لا يمكن التقريب بينها. فقد اصبح الحديث اليوم اكثر عن فروق في النغمات وفي الاسلوب أكثر من أن يكون في الجوهر.
ويبدو أن اليسار واليمين سيميزان في المستقبل ايضا الميادين السياسية، لكن من الضروري أن يوجد في البرلمان الاوروبي اجتماع للقوى من الفور فهذا ما زال عمليا. وما زالت توجد اكثرية الثلثين للحركتين. وبدل إنشاء تحالفات مع الاحزاب المتطرفة اصبح هذا وقتا يمكن فيه مقاطعتها وابعادها وأن يُقال لها: لن تمر الفاشية في اوروبا.
( هآرتس 2014-05-29 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews