«أرض كرة القدم» تبدو غير مهتمة بكأس العالم
لم يأت إطلاق اسم بلاد كرة القدم على البرازيل ("أبيز دو فوتبول" بالبرتغالية) من لا شيء. فهذه الدولة الأكبر في أمريكا اللاتينية، هي الوحيدة التي فازت بكأس العالم خمس مرات. وكان مثل هذا النجاح كافياً للسماح لها في عام 1970 بالاحتفاظ بكأس العالم الذي يحمل اسم جول ريميه. فقد منحت قوانين الفيفا في ذلك الوقت حق الاحتفاظ بالكأس لأول فريق يفوز به ثلاث مرات.
وبالرغم من ذلك، وقبل أسبوعين فقط من انطلاق نهائيات عام 2014 في ساو باولو يوم 12 حزيران (يونيو)، لا يُظهر البرازيليون حماساً يذكر للمباريات التي تنتظرهم.
ولم يكن السبب في إعطاء ذلك الانطباع هو فقط انطلاق الإضرابات والمظاهرات. فالهدير والطنين الذي يسبق عادة كأس العالم في البرازيل – الصادر عن السيارات المزينة بالأعلام والرايات والجدران المطلية باللونين الوطنيين، الأخضر والذهبي- لم يكن بارزا هذه السنة. وكانت مثل هذه التظاهرات تبدأ في العادة مباشرة بعد انتهاء الكرنفال الذي يجري في أوائل آذار (مارس) من كل سنة.
ولذلك، هل ما زالت البرازيل بلاد كرة القدم؟ أو هل تغيرت بطريقة جعلت كلاً من الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، ولويز لولو دا سيلفا، الرئيس السابق للبلاد، يفشلا في توقعاتهما عام 2007 أثناء موافقتهما على تنظيم الحدث في هذا البلد؟
هناك على الأرجح سببان لتناقض مشاعر البرازيليين الواضح حيال المونديال. الأول هو القلق الذي انتابهم من أن التحضيرات العشوائية لكأس العالم ستحرجهم أمام العالم. وربما يشعر الناس كذلك بالتردد في ربط أنفسهم بحدث يرافقه فساد (بالرغم من أنه لم يثبت حتى الآن شيء من ذلك)، وأن هذه التحضيرات هدر للمال العام، في وقت تفتقر فيه البلاد للخدمات الأساسية.
والسبب الثاني، وهو التفسير الأكثر عمقاً، يتعلق بالوضع السكاني. البرازيل ببساطة كبرت، والبرازيليون الآن أكبر سناً وأكثر انشغالاً مما كانوا عليه أثناء انتصاراتهم في كأس العالم في العقود الماضية. وقد ترك لهم هذا وقتاً أقل للتفكير في كرة القدم.
ونسبة السكان الذين تقع أعمارهم في الفئة 15 ـ 24 سنة تراجعت من 21 في المائة عام 1980 إلى 17 في المائة الآن، وفقاً لبيانات من بنك نومورا وIBGE، جهاز الإحصاء الرسمي في البرازيل.
وأثناء ذلك ازداد عدد البرازيليين من السكان في الفئة التي تقع في سن العمل الرئيسي وهي 25-59 سنة من 35 في المائة عام 1980 إلى 48 في المائة الآن. والناس في هذه المجموعة من فئة العاملين بصورة كاملة تقريباً. والبطالة تسجل أدنى مستوياتها، وهي 4.9 في المائة في نيسان (أبريل)، مقارنة بنسبة 12 في المائة قبل عقد من الزمان.
ويستمر مزيد من الشباب والشابات في البقاء الدراسة حتى الانتهاء من المرحلة الجامعية. وقد وجد نومورا أن نسبة البرازيليين الذين أتموا تسع سنوات أو أكثر من التعليم تضاعفت تقريباً في العقد الماضي.
وكانت هذه الاتجاهات حتى الآن في صالح البرازيل. والنمو في القوى العاملة يتباطأ، في وقت تتراجع فيه نسبة الشباب والشابات الصغار، الأمر الذي يساعد على إبقاء نسبة البطالة منخفضة، في وقت يضعف فيه النمو الاقتصادي.
ومع ذلك سيؤدي هذا في النهاية إلى المشكلة نفسها التي تعاني منها دول أخرى، خاصة فيما يتعلق بمشكلة الكيفية التي ستمول بها الدولة مستحقات التقاعد غير الممولة.
ويوجد للبرازيل وقت كاف لتحضر نفسها لهذه التحديات البعيدة، لكن ليس لديها متسع لعكس اتجاه آراء الرأي العام حول كأس العالم.
والحكومة تقدم أفضل الدعايات التي تخبر البرازيليين عن "كابا داس كاباس"، أو أعظم كأس للعالم على الإطلاق. وهي تظهر سلسلة طويلة من المنافع المفترضة من الحدث من حيث إيجاد الوظائف والاستثمار، وتحاول إقناع البرازيليين بأن المباريات هي مبارياتهم.
وعلى الأغلب ستعود الإثارة القديمة والحيوية عندما تبدأ الفرق الدولية في الوصول. وبالتأكيد لم يذهب عشق البرازيليين لكرة القدم بالطريقة نفسها التي اختفى بها كأس جول ريميه من خزانة عرضه عام 1983، وتم صهره على الأرجح للحصول على ذهبه.
إن أي فرد حضر العام الماضي المباراة النهائية لكأس الكونفيدرالية، وهو العرض التمهيدي الذي ينظمه الفيفا قبل المونديال، التي هزمت فيها البرازيل إسبانيا، سيكون قد اقتنع من خلال حماس الجماهير بأن البرازيل ما زالت هي بلاد كرة القدم.
لكن ربما الآن فقط، البرازيل أكثر نضجاً إلى حد ما بخصوص الأشياء الأخرى التي تشغل بالها وليس مجرد اللعبة الجميلة وحدها.
(المصدر : الاقتصادية 2014-05-28 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews