صرخة بوجه العنصرية!

هل يمكن لكرة القدم حقا القضاء على العنصرية بشكل تام؟.

سؤال لطالما ظل يحاصر أسرة الكرة العالمية وهي على مقربة من انطلاق كأس العالم، انها قضية الساعة التي تستحق من الفيفا والاتحاد الاوروبي الحزم وعدم التسامح، بل والشجاعة الكافية لتطبيق العقوبات في نهاية المطاف.

قبل بضعة أيام، وجدت نفسي في استاد ويمبلي، ليس لمشاهدة مباراة في كرة القدم ولكن لحضور احتفالية الذكرى العشرين لانبثاق الحركة المناهضة للعنصرية التي قطعت شوطا طويلا نحو القضاء على التمييز في بريطانيا. وكان من بين الضيوف الابن البكر لزعيم الحقوق المدنية الراحل مارتن لوثر كينغ وجيفري ويب، نائب رئيس الفيفا والذي رأس فريق عمل المنظمة لمكافحة التمييز بهدف تخليص اللعبة من جميع أنواع التحيز والتمييز على أساس اللون.

وتحدث كلا الرجلين بحماس ووجها رسائل مفهومة أقرب منها الى الوعظ. فالعنصرية قد تحولت الى آفة تهدد الكرة الإنجليزية، وهي رغم ندرة حالاتها، تطل برأسها القبيح هذه الأيام بموازاة حالات مماثلة في دول مثل اسبانيا وايطاليا وخارجها.

وها هي كأس العالم، كما قلت، تطل علينا لتستقطب ما يقرب من نصف مليون مشجع يتوقع أن يحضروا الحدث العالمي في بلد يريد منه الفيفا ان يكون مهرجاناً للافراح والاحتفالات والالوان، ما يعني ان تصبح العنصرية قضية الملايين. وقريبا من المونديال، سيكون واضحا تأثير غياب مدافع كرواتيا المخضرم يوسيب سيمونيتش عن مباراة افتتاح البطولة، بعدما أيدت محكمة التحكيم الرياضية العقوبة التي فرضها الفيفا عليه بالإيقاف لعشر مباريات، بسبب هتاف مؤيد للنازية في نهاية مباراة الملحق الأوروبي أمام أيسلندا العام الماضي.

ولعل الكل يتذكر ما حصل بعد نهاية المباراة التي فاز بها منتخب بلاده كرواتيا بهدفين نظيفين في 19 نوفمبر 2013، حيث أمسك سيمونيتش المولود في استراليا بمكبر الصوت في استاد في زغرب وتوجه إلى المدرجات وردد الهتاف ورددت الجماهير وراءه ويومها عوقب سيمونيتش مدافع دينامو زغرب الذي مثل منتخب بلاده في 105 مباريات دولية بغرامة 30 ألف فرنك سويسري.

وقد تم توجيه تهمة القيام بتحية نازية واستخدام كلمات عنصرية من قبل سيمونيتش الذي أصر على انه لم يكن يقصد الاساءة وانه يريد ببساطة أن يشارك جماهير منتخب بلاده المشاعر الوطنية بعد هذا النجاح المهم.

غير ان هذا العذر تم رفضه، ليتم حرمان اللاعب من خوض كأس العالم بأكملها. ويأمل الفيفا في مثل هذه الحالات ان تكون قراراته بمثابة رسالة تحذير مفادها أن العنصرية لن يتم التسامح معها. كما انه يأمل استخدام كأس العالم كمقياس لثقافات متعددة الالوان ولفترات طويلة. ولكن هل هذا التبرير واقعي بما فيه الكفاية؟.

فبينما يبدو مهرجان ويمبلي صرخة لمكافحة العنصرية وخطوة في الاتجاه الصحيح، فإن بعض الاتحادات الوطنية تبدو غير راغبة في اتخاذ موقف متشدد إزاءها.

ويكفينا حادثة الموز الاخيرة في الملاعب الإيطالية التي شهدت واقعة عنصرية جديدة عندما ألقت جماهير فريق أتلانتا، ثمرات الموز على كيفن كونستانت، لاعب ميلان خلال مباراة الفريقين، وهو ما أثار غضب اللاعب، في الوقت الذي حاول فيه لاعبو ميلان تهدئة الجماهير، في حين قام زميله الهولندي نايجل دي يونغ بالتقاط الموزة من الأرض وأكلها.

فلماذا لم يتصرف الاتحادان الاسباني والايطالي بما فيه الكفاية لردع هذا الموضوع، وهو ما دفع الاتحاد الاوروبي لكرة القدم للتعبير عن خيبة أمله؟.

ولكن هل سيكون لذلك أي تأثير على المدى الطويل؟. ربما لا. فالاتحادان الدولي والاوروبي لديهما قائمة خاصة من العقوبات للجماهير واللاعبين والمسؤولين على حد سواء لمسابقات خاصة بهم ولكن لم يتم تطبيقها من الناحية القانونية على المستوى المحلي، وهذا هو جوهر المشكلة. نعم ان المشكلة تكمن في ان العديد من البلدان لديها تصور مختلف لما تعنيه العنصرية في الواقع، فماذا نقول لبعض جماهير اوروبا الشرقية التي تتغنى بكلمة «قرد» في هتافاتها مثلاً؟.

من يملك الجواب يا ترى؟.

(المصدر : استاد الدوحة  2014-05-28)