الفراغ اللبناني من الفشل الداخلي الى التجاذبات الاقليمية
دخول لبنان في مرحلة الفراغ الرئاسي مرتبط بفشل الطبقة السياسية اللبنانية من اتمام مسؤولياتها وغرقها بالانقسامات الحزبية والفئوية، وبالتالي المساهمة في نقل الاستحقاق الرئاسي الى الملاعب الاقليمية والدولية بانتظار تفاهم أكبر يوصل أحدهم الى كرسي بعبدا.
الطبقة السياسية اللبنانية لم تتفاجأ طبعا بالوصول الى نقطة الفراغ. التهويل بخطورته، وقطع الوعود بتفاديه هو “كلام فاضي” مع خروج الرئيس ميشال سليمان من قصر بعبدا اليوم وفشل ال١٢٨ نائب ( المجدد لهم) من الاتفاق على خلف له. بالاقتراع للفراغ، اختارت النخبة السياسية اللبنانية وضع المصالح الحزبية والفئوية فوق المصلحة العليا للبلاد. فمعظم الخلافات بين المرشحين اللبنانيين ، وما أكثرهم، ليست حول الأجندة الرئاسية ومصلحة المواطن بقدر ما هي شخصية، بعضها يعود لحرب أهلية دمرت البنية التحتية طوال ١٥ عاما، واستمرار ذهنية تصفية الحسابات بالسياسة اليوم بدل السلاح .المفارقة ان هذا النهج بالذات والانقسامات التي عززها المرشحون “الكبار” هي العائق الأكبر أمام وصولهم اليوم، وكون لا قدرة لهم على حصد الأصوات المطلوبة ولا على نيل ثقة الخارج ولا لعب دور توافقي في حال انتخابهم لموازنة القبان السياسي وتحفيز الاستقرار.
وفي وقت تتوالى فيه الأزمات على لبنان من قطاع الكهرباء الى الأجارات الى الأمن، يحلو لبعض المرشحين المبالغة بوزنهم الاقليمي والدولي ، وتصوير أن وصولهم للرئاسة سيربط الشرق بالغرب، أو سينهي الحرب في دولة مجاورة، أو سيقرب أميركا بايران، أو سيجعل من لبنان دولة نفطية. طموحهم ليس بجديد، انما كلفة تعنتهم هي باهظة على لبنان واستقراره . هذا الفشل الداخلي ساهم في رمي الملف الرئاسي الى الملعب الخارجي، ولتتقاذف كرته قوى اقليمية ودولية ، فيما التداعيات السلبية الأكبر ستحل على المواطن اللبناني.
نقل الكرة الرئاسية اللبنانية الى الملعب الخارجي يعني استمرار الفراغ في المدى المتوسط وحتى الطويل في حال ارتأت هذه القوى ذلك أو في حال اتسع الشرخ الاقليمي. فلا الخلافات مع ايران سيتم حلها قريبا، ولا الحرب في سورية ستنتهي أو ستنقلب المعادلة فيها رأسا على عقب في المدى المنظور. ومن هنا، قد ينتظر اللبنانيون ما قد تؤول اليه المفاوضات الايرانية مع الغرب حول الملف النووي في تموز (يوليو) المقبل، ورد الفعل الاقليمي على أي اتفاق أو عدمه ، لانتخاب رئيسهم. أو قد ينتظرون انتهاء تنفيذ الاتفاق الكيماوي في سورية هذا الصيف، وجهود تنظيم المعارضة العسكرية لمعرفة اسم الرئيس.
الفراغ وانعكاساته الأمنية والسياسية مسؤولة عنها الطبقة السياسية اللبنانية بجميع اصطفافاتها وولاءاتها. فعندما تظلل الطريق الى بعبدا معادلة “أنا أو لا أحد” ولو كان ذلك على حساب اقتصاد متهالك وسياحة معدومة وأزمة لاجئين خانقة وأمن على كف عفريت، فالفراغ هو أقل ما يمكن توقعه من طبقة سياسية قصيرة النظر وقيادات مهووسة بالسلطة ولو جاءت عن طريق الخارج.
(المصدر: الحياة 2014-05-25 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews