رهان أوباما على الغاز الصخري ينطوي على مخاطرة كبيرة
إذا حكمنا بمقاييس المكاسب غير المتوقعة، تعتبر طفرة الغاز الطبيعي في أمريكا قريبة من المستويات التنبؤية. فالاقتصاديون يتحدثون عن "تغيير قواعد اللعبة"، والمنتجون يتوقعون نهضة تصنيعية في الولايات المتحدة، وجماعة حماية البيئة يحتفلون بوفاة ملك الفحم، والاستراتيجيون يتحدثون عن ورقة جيوسياسية رابحة - ليس أقلها لعبة الغرب مع روسيا التي يتزعمها فلاديمير بوتين. لقد فتح التكسير الهيدروليكي الباب أمام إمدادات الغاز الصخري الرخيصة والنظيفة نسبياً لعقود مقبلة، في وقت كانت فيه الولايات المتحدة تواجه مجموعة من الآفاق القاتمة.
ذلك على الأقل هو الافتراض، لكن ماذا لو كان افتراضاً خاطئاً؟ وفقا لجارتن روثكوبف، وهي شركة استشارية دولية، من المتوقع للولايات المتحدة أن تستنفد إمداداتها من الغاز الطبيعي "القابل للاستخراج اقتصادياً" بحلول عام 2030. ويستند هذا التقدير فقط إلى المشاريع القائمة، ويستثنى تلك التي تم الإعلان عنها ولكن لم تبدأ بعد. كما أنه يقدم افتراضاً متحفظاً بأنه ستكون هناك ثلاث محطات فقط لتصدير الغاز الطبيعي المسال قيد العمل بحلول ذلك الوقت، مقابل ست محطات موجودة بالفعل في الإشغال. الجميع يدخل في سباق سرعة للحصول على الغاز على أساس أن أسعار الغاز في الولايات المتحدة ستبقى رخيصة بقدر ما تستطيع أن تراه العين. ولدينا وقت طويل قبل حلول عام 2030، لكن سيكون قد تم دفع المنتجين الأمريكيين إلى التشكيلات الصخرية الأكثر تكلفة.
ويحتج المختصون في هذا المجال على أن التكنولوجيا الجديدة ستكون قد فتحت الإمدادات غير الاقتصادية بحلول ذلك الوقت. لكن نشوة الغاز قضت على إدارة المخاطر تماماً. ومهما بدت السلة مبطنة وتتمتع بالوقاية، ليس من الحكمة أن تضع كل البيض فيها. في الشهر المقبل، تصدر إدارة الرئيس باراك أوباما مجموعة جديدة من قواعد الانبعاثات من المحتمل أن تؤدي إلى إفلاس معظم محطات توليد الطاقة القائمة، التي تعمل بالفحم في الولايات المتحدة. وكان الفحم دائماً أكبر مصدر للكهرباء في الولايات المتحدة، لكن الغاز تفوق عليه الآن.
وفوق ذلك أمريكا عازفة عن الطاقة النووية. ففي الولاية الأولى لأوباما أعلن عن خطط لإحياء هذا القطاع الذي كان أساساً قد تم تجميده منذ تسرب ثري مايل آيلاند عام 1978. ولم يؤد ذلك إلى أي نتيجة. ويتم التخطيط لإنشاء محطة جديدة واحدة فقط للطاقة النووية وهذا يبعد سنوات من الآن.
كذلك عقد أوباما آمالا كبيرة على التوسع في مصادر الطاقة البديلة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية. لكن في كلتا الحالتين كانت الأرقام مخيبة للآمال. فقط 5 في المائة من الطاقة الأمريكية تأتي من مصادر الطاقة المتجددة غير المائية. وفي مزاجه الحالي، يبدو من غير المرجح أن يوافق الكونجرس على تجديد الإعفاءات الضريبية للطاقة البديلة، ما يحد من زيادة إمكاناتها.
وفي الوقت نفسه، إدارة أوباما غير مستعدة للموافقة على خط أنابيب كيستون XL الذي من شأنه أن يؤدي إلى إمدادات أكثر أمناً من الرمال النفطية في ألبرتا. واعتاد أوباما القول في "كل ما ورد أعلاه" إن الولايات المتحدة تسعى إلى سياسة للطاقة. لكن، بطريقة أو بأخرى، فقد تضاءل مسعاها إلى مجرد "واحد مما ورد أعلاه". فكل شيء ما عدا الغاز، يتوقف نشاطه عن المضي قدماً. التمسك "بواحدة مما ورد أعلاه" ينطوي على ثلاث مخاطر. الأول، خطر اقتصادي. فبموجب القوانين التنظيمية الأمريكية لشركات المنافع، يجب على الموردين اختيار أرخص شكل من أشكال الطاقة. اليوم ذلك الشكل هو الغاز. وإذا بدأت أسعار الغاز في الارتفاع، سوف يجد المنتجون أنفسهم عالقين مع مصدر وحيد للطاقة. الأمر نفسه ينطبق على قطاع البتروكيماويات وغيره من الشركات المصنعة. الاستثمارات لأجل 20 و30 عاماً يجري تنفيذها على افتراض أن أسعار الغاز الأمريكي ستبقى ثلث مستوياته في أي مكان آخر في العالم، أو نحو ذلك. وكثير من المشاريع ستصبح غير اقتصادية إذا ما تغير ذلك.
وفي الوقت نفسه يتم التقليل من شأن خطر صدمات العرض. مثلا، يوجد لدى التكسير الهيدروليكي دافع للتوقف في ولاية كاليفورنيا وغيرها من الولايات الغربية بسبب النقص الحاد في المياه. وإذا كنت تعتقد بصحة نماذج تغير المناخ، فإن الجفاف في جنوب غرب الولايات المتحدة ليس ظاهرة مؤقتة.
علاوة على ذلك، قطاع الغاز الأمريكي يحتاج إلى 300 مليار دولار لرفع مستوى شبكة أنابيبه، وفقا لجارتن روثكوبف. وقليل من هذا هو ما يحدث. فالمعركة حول كيستون XL أدت إلى تهميش هذا التحدي. وقد تم تقديم 14 مشروع قانون في الكونجرس للموافقة على خط الأنابيب الكندي. وتم طرح واحد فقط منها للتعجيل بتصاريح تطوير شبكة الأنابيب الوطنية. وقد علق هذا في طي النسيان.
والثاني هو الخطر البيئي. فقد انخفضت انبعاثات الكربون الأمريكية منذ عام 2007 ويرجع ذلك جزئياً إلى الركود وجزئياً إلى التحول من الفحم إلى الغاز. ذلك هو ما يعادل الثروة غير المتوقعة من الاحتباس الحراري العالمي. لكن الغاز لا يزال وقوداً أحفورياً. وكانت هناك نتيجة غير مقصودة من الاندفاع نحو الغاز، هي تشريد البحوث في تكنولوجيا احتجاز الكربون للتخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري. كذلك عمل الغاز على دفع الطاقات البديلة من على شاشات الرادار السياسي. وظل الإنفاق على أبحاث الطاقة والتنمية ثابتاً على مدى السنوات القليلة الماضية، واختفت الأموال المخصصة لمشاريع البيان العملي في مجال تكنولوجيات الطاقة الجديدة.
وأخيراً، هناك الجانب الجيوسياسي. فعلى عكس النفط يتم تسعير الغاز إقليمياً، لكن الاستثمارات في محطات الغاز الطبيعي المسال وخطوط الأنابيب العابرة للحدود تجلبان قدماً اليوم الذي سيوجد فيه شيء يشبه السوق الفورية العالمية في الغاز الطبيعي، والكثير منها مشابهة لتلك الموجودة للنفط. وكلما اقترب موعد قدومها، سيكون الاقتصاد الأمريكي والاقتصادات الأخرى أكثر عرضة لصدمات الإمدادات العالمية. ماذا لو اختفى الغاز الروسي فجأة؟ أو إذا كانت هناك حرب في قطر؟ تأثير الأسعار قد يكون وخيماً. ربما يبدو هذا احتمالاً بعيد المنال. لكن حتى قبل بضع سنوات كان عدد قليل من الأشخاص من لديه أي فكرة عن مقدار الغاز المحتبس تحت الأرض في أمريكا. العناية الإلهية منحت الغاز الأمريكي كسباً مفاجئاً ضخماً. السؤال المهم هو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستخدم هذا المكسب المفاجئ بحكمة أو تقوم بإهداره. ليس هناك ما يوحي بقدر كبير من الثقة، من إدارة أوباما أو من خصومها، باختيار المسار الحكيم.
(فايننشال تايمز 2014-05-22 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews