الطيراوي: دولة فلسطينية من النهر إلى البحر
توفيق الطيراوي لا يشتاق لعهده كرئيس المخابرات الفلسطينية العامة في الضفة الغربية (من 1994 حتى نهاية 2008). من الأفضل له، كما يقول، ألا يوزع المزيد من الأوامر والتعليمات. والأوامر الوحيدة التي تلزمه على حد قوله، هي المشاعر والارادات للمواطنين الفلسطينيين. وعلى سؤال ماذا كان الفشل الأكبر للمخابرات العامة الفلسطينية برئاسته يجيب دون تردد: ‘لم ننجح في زرع جواسيس داخل الكيان الصهيوني، مثلما يزرعون هم ويحاولون زراعة الجواسيس عندنا’. هذا ما يقوله في مكتبه كرئيس لجنة الفكر والبحوث. ولجنة الفكر والبحث هي واحدة من 16 لجنة في فتح يترأسها أعضاء اللجنة المركزية للحركة. وكان الطيراوي انتخب للجنة المركزية في المؤتمر السادس لفتح في 2009.
في منصبه كرئيس للمخابرات العامة في الضفة، التقى مع القيادة الامنية الاسرائيلية: عاموس جلعاد، موشيه يعلون، كرمي غيلون، آفي ديختر. ‘المصادر الامنية الاسرائيلية كانت معنية دوما بتسخيف الفلسطينيين وقيادتهم الأمنية، وعرضها بأنها غير وطنية’، يقول مؤكدا أن ‘التنسيق الأمني’ لم يتضمن أبدا تسليم معلومات للاسرائيليين.
سيأتي اليوم، كما يقول، وسيكتب عن هذه اللقاءات مع كبار مسؤولي أجهزة الأمن الاسرائيلية. في هذه الاثناء يقول انه ‘اكثر من الجميع من كان مخلصا لكلمته هو يوفال ديسكن’. وهل الباقون لم يحترموا دوما كلمتهم؟ ‘الباقون ناوروا، حين كان المهم من ناحيتهم كيف يخرجون كاسبين’، يقول. التقدير ليس متبادلا. وثائق السفارة الامريكية في تل ابيب، كما انكشفت في ويكيليكس تفيد بان رئيس المخابرات السابق اعتقد بان الطيراوي هو مجنون وحشي وخطير. أما الطيراوي فيضحك: ‘ديسكن يقول اني مجنون. بالفعل، أنا مجنون بمحبة بلادي. ولست معنيا بأن أبدأ في دحض الأمور، فمجرد الموافقة على أن يكون احتلالا هي ذروة الاضطراب’.
المبنى الذي تقع فيه مكاتب اللجنة توجد في البيرة، على مسافة أقل من كيلومتر من قاعدة الادارة المدنية وقاعدة فرقة المناطق في الجيش الاسرائيلي. وهذا ليس السبب في أنه لا توجد على المبنى يافطة تحمل اسم اللجنة. فقد استأنفت عملها مع تعيين الطيراوي، قبل أقل من سنة، بعد بضع سنوات من التعطل. أما موضوع اليافطة فدحر جانبا.
المهام المعلنة للجنة برئاسة الطيراوي هي توضيح أهداف فتح للاعضاء، وتعزيز قاعدتهم الايديولوجية وذلك ايضا لتأهيل أجيال جديدة من القادة. وفي هذا السياق، مهم موقفه في أن على فتح أن تقطع الارتباط عن مكانة حزب السلطة وعن التماثل التلقائي مع السلطة الفلسطينية. ومشوق قول آخر له، في أن المشكلة الكبرى للسلطة هي أنها ترد ولا تبادر: هكذا فقدت على مدى السنين المنطقة ج. ‘العمل الوحيد الذي قمنا به هو التوجه الى الأمم المتحدة (للتصويت على فلسطين كدولة كمراقب). واقترح أن نغير ما هو مكتوب في كل وثائقنا، وبدلا من ‘سلطة فلسطينية’ نكتب ‘دولة فلسطين’. واذا رفضت اسرائيل الاعتراف بهذه الوثائق، سيتضح أن كل الشعب الفلسطيني في المعتقل’.
في الأشهر الاخيرة يكثر من التصريح العلني بانه انتهى حل الدولتين، ويجب العودة الى هدف فتح الاصلي، اقامة دولة فلسطينية من البحر الى النهر. ألا يتعارض هذا الموقف مع الموقف الفلسطيني، وهل بحثه مع محمود عباس؟ ‘لا’، يقول الطيراوي، ‘هذا موقفي الشخصي’. ولكنك لست فقط إنسانا خاصا، فأنت ايضا صاحب منصب مسؤول في فتح.
‘الأخ أبو مازن هو رئيس فتح ولكنه موقف خاص. وهكذا أنا ايضا، عضو في اللجنة المركزية، وأعرب عن موقفي الشخصي، رغم أن الموقف في فتح هو تأييد حل الدولتين. في اللجنة صوتت ضد المفاوضات مع اسرائيل، ولكن القرار الذي نشرته بين الاعضاء هو ان اللجنة المركزية توافق على المفاوضات’.
وعندما تحاضر في المهرجانات هل تتحدث أيضا عن حل الدولتين؟
‘نعم، أقول ان حل الدولتين مات ومن قتله هو الاحتلال. أنتم تقولون ان اليمين الاسرائيلي لا يريد السلام مع الفلسطينيين، ورأيي هو أن اليمين واليسار والوسط في اسرائيل غير مستعدين لاعطاء الحد الادنى لاقامة دولة فلسطينية. في زيارة الاسرائيليين لابو مازن، محمد المدني (المسؤول في فتح عن العلاقات مع الجمهور الاسرائيلي، ع. ه) قال لاحد ما لم أعرفه: ‘توفيق ضد المفاوضات’. ‘أحقا؟ ‘سألني ذاك الاسرائيلي الذي تبين كسكرتير حزب العمل. قلت اني سأعقد على الفور مؤتمرا صحافيا وأعلن باني أؤيد الاتصالات، إذا قال انه يؤيد أن تكون عاصمة فلسطين هي القدس بحدود 1967. فأجاب ‘لا، لا أؤيد”.
كل ما تعرفه يعرفه أبو مازن أيضا.
‘هو يؤمن بحل الدولتين وأنا لا. رأيي كان معروفا دوما لابو عمار وأبو مازن، وبعد كل شيء أنا عضو في الحركة، ويمكن أن اكون في الاقلية’.
بمعنى انك لن تقبل حل الدولتين حتى لو وافقت اسرائيل على أن تكون القدس الشرقية عاصمة فلسطين؟
‘منذ البداية لم أؤمن بالاعتراف باسرائيل بالمجان. دوما كنت مقتنعا بان كلما تنازلنا لاسرائيل سترغب في المزيد. وقد تنازلنا كثيرا: في الحل، في الاعتراف بـ 242 وبوجود دولة اسرائيل، بالموافقة على دولة في حدود 67 ولكن اسرائيل لا تكتفي بدولة (في حدود 67) وهي تريد جزءاً من الضفة ايضا.
‘أنا من مواليد قرية الطيرة (اليوم طيرة يهودا) في منطقة اللد، وأنا لا أعرفها على الاطلاق، لم أزرها. من قال اني لا أريد الطيرة؟ على الفلسطينيين أن يعودوا الى المبادىء الأساس، ونحن في فتح، الاوائل الذين اقترحنا أن نعيش معا، مسلمين، يهود ومسيحيين، في دولة واحدة مثلما كان يعيش أجدادنا قبل 1948. أعجبني مقال ابراهام بورغ في صالح الدولة الواحدة. نقيم دولة جديدة لحياة مشتركة، دولة ديمقراطية فلسطينية واحدة، مثل لبنان’.
ومثله ندخل في حروب أهلية؟
‘الحروب الأهلية في لبنان قامت بها جهات خارجية. واذا عشنا في دولة واحدة وكي لا يفهموني بشكل غير صحيح، اقول: ليس تحت حكم اسرائيلي صهيوني، بل نقيم دولة جديدة ديمقراطية فلسطينية. اليهود يكونون في البرلمان، مثل المسيحيين والمسلمين، الرئيس سيكون فلسطينيا مسلما ونائبه يمكن أن يكون فلسطينيا يهوديا، هذه تفاصيل’.
بمعنى، بالنسبة لك اليهود هم جماعة دينية، ليس شعبا؟
‘ألستم أنتم في اسرائيل من تريدون دولة يهودية، حسب الدين؟’.
أنا أسأل ماذا أنت تريد.
‘لا أريد الدخول في تفاصيل عاجلة. قد يبدو هذا غريبا، ولكن بعد 50 أو 100 سنة سيكون هذا هو الحل الوحيد’.
وكيف ستصل اليه؟
‘لقاءات اليهود والعرب الذين يؤمنون به، ومباحثات وتفكير مشترك’.
في ‘المنار’ قناة حزب الله التلفزيونية، او في مهرجان فتح في خان يونس قلت انه يجب العودة الى مواقف فتح في 68 وفي حينه كان الموقف أن فقط اليهود الذين كانوا يعيشون هنا قبل تصريح بلفور يمكنهم أن يبقوا في البلاد.
‘ليس هذا ما قلته. نحن اليوم في 2014، تغيرت المفاهيم وتطورت منذ 1968، وواضح أني لا أريد القاء اليهود في البحر’.
ولا الى السفن في البحر؟
‘ولا الى السفن. الحركة الصهيونية سيطرت على فلسطين بالقوة والعنف، وأنا أريد إعادة الفلسطينيين الى وطنهم وأن يعيشوا فيها مع اليهود’.
وماذا سيحصل لليهود الذين يعيشون اليوم في قريتك، الطيرة؟
‘هذه تفاصيل يتعين البحث فيها. ولكن لن أسمح لنفسي بأن أتصرف كما يتصرف الاسرائيليون: أن أغلق اليهود في معسكرات اعتقال كبيرة مثل قطاع غزة، مثلا. الظلم الذي أحيق بالفلسطينيين، محظور أن يحاق باليهود’.
في ‘المنار’ لم تتحدث عن حياة مشتركة مع اليهود.
‘ربما لم تكن فرصة للاستطراد والتفصيل، ولكن الآن سيقرأ الفلسطينيون هذه المقابلة ووسائل الاعلام ستتناولها. لا يوجد هنا أي سؤال، عندما أتحدث عن دولة واحدة فاني أتحدث عن كل من يعيش في فلسطين، كمواطنين متساوي الحقوق. ولكن يجب وضع حد للظلم الذي أحيق بالفلسطينيين مع طردهم والسماح بعودتهم وعندها نتحدث عن التفاصيل. الاتفاق على دولة واحدة أسهل بكثير من الاتفاق على دولتين’.
وأنت تريد أن تقنع اليهود بان هذا هو الحل الافضل منها جميعها؟
‘أنا أريد أن اقنع بأن هذا أمر صعب، ولكنه سيكون الحل الوحيد. حل الدولتين ليس موجودا لان الحكومات الاسرائيلية أفشلته’.
أم لعل من الأسهل عليك أن تتحدث عن حل هو حلم عندما لا تكونون حتى قادرين على ضمان حرية حركة لسكان القطاع أو لاعادة المنطقة ج لسكان الضفة؟ أم لعل الحلم يغطي على فشلكم؟
‘هذا ليس فشلنا بل التبجح والعناد من سمات قيادة اسرائيل’.
(هآرتس 2014-05-18)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews