المختبرات بوصلة شركات الأدوية لا الإدارات

خلال معظم سنوات القرن العشرين كانت شركة آي سي آي ICI أبرز شركة صناعية في بريطانيا. لقد تأسست في 1926 من اندماج أربع شركات كيميائية، وهي برونر موند، ونوبل للمتفجرات، ويونايتد ألكالاي، وبريتش دراي ستافز.

أعلنت الشركة الوليدة أنها ستناصر "التطبيق المسؤول للكيمياء وما يرتبط به من علوم" على الأعمال. كان هناك اقتسام لأسواق المواد الكيماوية في العالم، وكانت العلاقة تعاونية أكثر منها تنافسية، بين ICI والشركتين المتنافستين دوبون وآي جي فاربن.

بعد الحرب العالمية الثانية أدرك مجلس إدارة ICI بثاقب نظره أن المجال الجديد للكيمياء، كان في الأدوية. في تلك الأيام كانت الشركة من بين قلة من شركات التصنيع البريطانية النشطة في توظيف الخريجين، ووظّف قسم الأدوية فريقا من العلماء الشباب المتمكنين.

كان من بينهم جيمس بلاك، وهو عالم فيزيولوجيا من جامعة جلاسجو. ورغم مستوى أبحاث الكيميائيين في ICI، إلا أن قسم الأدوية في الشركة كان يخسر المال على مدى نحو عقدين. من الصعب أن نتخيل شركة عامة في البورصة، أو مساهميها، وهم يتحملون أداء مالياً مماثلاً في الوقت الحاضر.

في الستينيات اكتشف بلاك فئة الأدوية المعروفة باسم "حاصرات البيتا"، وهو أول دواء فعال لعلاج ارتفاع ضغط الدم. وتلا ذلك منتجات أخرى، وأصبحت الأدوية أسرع مصادر الأرباح نمواً في الشركة.

أصبح بلاك أكثر الموظفين تكريماً في الشركة (وإن لم يكن أفضلهم من حيث الراتب). اهتمامه كان ينصب على الأبحاث، وليس الإدارة أو التسويق. وحيث إنه كان يرى أن العلم الذي أنتج حاصرات البيتا لديه استخدامات أخرى، ترك الشركة من أجل التمتع بالحرية الأكبر التي توفرها شركة سميث كلاين.

تحققت آمال بلاك. وجد فريقه دواء اسمه تاجاميت، الذي كان يريح كثيراً من الناس من آلام قرحة المعدة. وأدى هذا الاكتشاف إلى أن تركز شركة أخرى، وهي جلاكسو، الأبحاث في نفس المجال.

كانت نتيجة الأبحاث هي "زانتاك"، الذي كان لفترة من الفترات أفضل الأدوية مبيعاً في العالم. رؤيا ICI الاستثمارية في الأدوية لم تحقق الربح فقط للشركة نفسها، فقد وضعت الأسس لما يعتبر اليوم أنجح الصناعات البريطانية.

بحلول أواخر الثمانينيات تغيرت الموضة، فقد أصبح هدف الشركات الآن هو ترويج قيمة المساهمين بدلاً من التطبيق المسؤول للعلم. وحوّلت ICI تركيزها على مدى السنوات من أصولها في المواد الجافة والمتفجرات، إلى المواد البتروكيماوية والأسمدة، ومن ثم إلى الأدوية.

الشركات التي كانت تركز على استكشاف المعرفة العلمية المتخصصة لم تعد رائجة. وكانت تكتلات الشركات الضخمة، مثل هانسون، بما لديها من مهارات إدارية، تستطيع حسب المفروض أن تجلب الكفاءات إلى أي شركة، هي شركات المستقبل.

في 1991 كان من المعتقد أن شركة هانسون تحضر عرضاً لاستحواذ عدائي، وأدى التهديد إلى صدمة في ICI. بعد ذلك بسنتين تم فصل قسم الأدوية ليصبح شركة زينيكا. كانت الحجة هي أن شركة الأدوية المستقلة تستطيع أن تحصل على تقييم سوقي للأسهم، أعلى بكثير من شركات الكيماويات الدورية، مثل الشركات التي احتفظت بها ICI.

بعد ذلك اندمجت شركة زينيكا مع الشركة السودية أسترا (التي أصبح دواؤها المثبط لمضخة البروتون في الخلية، هو الدواء اللاحق بعد زانتاك). أما شركة الكيماويات المتبقية في ICI فقد بدأت رحلة مدتها 15 عاماً نحو النسيان.

كانت صناعة الأدوية نفسها في حالة تغير. حين كتب جيم كولينز، خبير الأعمال مؤلفه "أُنشئت لتدوم" في 1995، قارَنَ نجاح شركة ميرك – التي كانت بصورة متكررة يتم اختيارها على أنها أكثر الشركات الأمريكية إثارة للإعجاب، من قبل المشاركين في استطلاعات مجلة فورتشن – بالأداء المالي المتدني لشركة فايزر.

قارَنَ كولينز فلسفة جورج ميرك (لا ننسى أبداً أن الدواء هو للناس، وأننا إذا تذكرنا ذلك، فإن الأرباح لا يمكن أن تخفق في الظهور") مع كلمات معاصره جون ماكين بشأن شركة فايزر "ضمن حدود قدرة البشر، هدفنا هو استخلاص الربح من كل شيء".

بحلول الوقت الذي ظهر فيه كتاب كولينز، كانت استراتيجية شركة فايزر في اختصار التكاليف وترويج مجموعتها من الأدوية القائمة، وتعبئة الفجوات في برنامجها من مشاريع الأدوية الجديدة، عن طريق عمليات الاستحواذ أصبحت مناسبة أكثر للأوقات المتغيرة. لقد سقطت شركة ميرك من الحظوة. وحين جاء كولينز ليكتب كتابه "كيف سقط العملاق" بعد ذلك بـ 15 سنة، كانت شركة ميرك مرة أخرى من بين الشركات المميزة في كتابه.

الشركة التي تنشأ لتدوم هي حول الناس والمنتجات، وليس نشاط الشركات والميزات الضريبية. كان جيمس بلاك يحقق قيمة للمساهمين بالتأكيد أكثر من أي ممول أو رئيس تنفيذي في تاريخ الشركات البريطانية. ينبغي أن يكون هذا الدرس على صلة بالطريقة التي ننظر بها إلى عرض شركة فايزر المقترح للاستحواذ على شركة أسترا زينيكا.

( فايننشال تايمز 16/5/2014 )