مسرحية نتنياهو وأعضاء حكومته
إبّان مفاوضات التسعة أشهر بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية والتي وصلت إلى طريق مسدود، وانتهت في 29 أبريل الماضي، وعند مناقشة الحكومة الإسرائيلية لموضوع إمكانية إطلاق سراح أسرى الدفعة الرابعة وهم سجناء ما قبل اتفاقية أوسلو تنفيذاً لاتفاق مع السلطة هدّد وزير الخارجية الفاشي أفيغدور ليبرمان بترك الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الحالي ومغادرة الحكومة. وذلك إن جرى إطلاق سراح سجناء هذه الدفعة.رئيس حزب المستوطنين"البيت اليهودي"وجه أيضاً تهديداً لنتنياهو بالانسحاب من الحكومة في حال تم إبرام صفقة مع الجانب الفلسطيني تتضمن تحرير أسرى من فلسطينيي 48.
قال بينيت في بيان لوسائل الإعلام: إن الصفقة المتبلورة إذا ما تضمنت تحرير (قتلة) من ذوي الجنسية الإسرائيلية، فإنها مس بالسيادة الإسرائيلية، وليس هذا فقط بل إنها تأتي عندما لا يسحب الفلسطينيون طلب انضمامهم إلى المواثيق الدولية.
الوزيران ظهرا وكأنهما على يمين نتنياهو، والذي هو حتماً من أشار عليهما بإطلاق التهديدات. في مسرحية مكشوفة الأدوار. لطالما لجأ رؤساء الحكومة الإسرائيلية السابقة إلى مثل هذه المسرحية. من رابين إلى نتنياهو مروراً بالآخرين منهم. ذلك بهدف إقناع الأمريكيين بصعوبة أوضاع رئيس الوزراء الصهيوني وموقفه الحكومي الحرج.
من أجل ممارسة المزيد من الضغط على الفلسطينيين لإبداء المزيد من التنازلات لصالح الكيان الصهيوني، إسرائيل أيضاً تطلب ثمناً باهظاً أمام كل خطوة تخطوها في إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين، فعند إطلاق سراح الدفعات الثلاث السابقة كانت تزيد في كل مرّة من مشاريع استيطانها في أراضي الضفة الغربية، هذا بالإضافة إلى تحرير الإرهابيين الإسرائيليين من السجون الذين اقترفوا جرائم كبرى ومجازر ضد الفلسطينيين. برغم أن الأحكام التي حُكموا بها هزيلة قياساً بما ارتكبوه من جرائم، وفقاً لمصادر عديدة من بينها إسرائيلية فإن هؤلاء المعتقلين (اسميا) يقيمون في سجون مفتوحة، يمضون فيها ساعات الليل ويخرجون منها إلى أعمالهم في ساعات النهار. رغم ذلك فإن الأحزاب اليمينية الصهيونية تدعو دوماً إلى تقصير إحكامهم (القصيرة زمناً في الأصل). إسرائيل تلجأ إلى مثل هذا الاعتقال وذلك من أجل أهداف إعلامية ومن أجل أن يجري التداول عنها بأنها دولة "ديمقراطية". ولعل قصة الضابط شدمي المسؤول الأول عن ارتكاب مجزرة دير ياسين معروفة. فقد حكم القضاء الصهيوني عليه بغرامة عشر أغورات (بضعة قروش!).هذه هي العدالة الإسرائيلية؟! المعتقلون الفلسطينيون من أعضاء الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين منهم من هو معتقل مما يزيد على الثلاثة عقود، أما الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية منهم (من مواطني منطقة 48) فاشترطت إسرائيل قبل إطلاق سراحهم سحب الجنسية من كل واحدٍ منهم وإبعادهم جميعاً إلى قطاع غزة!
أفيغدور ليبرمان ونفتالي بيبت عندما يزايدان على نتنياهو فإنهما يتجاوبان مع الشارع الإسرائيلي، الذي تظهر كافة استطلاعات الرأي فيه بأنه لو جرت انتخابات خلال المرحلة الحالية في إسرائيل فإن الأحزاب اليمينية ستعزز من مواقعها.
ووفقاً لاستطلاع أجرته صحيفة هآرتس منذ أسبوعين وبينت فيه أنه إذا ما جرت انتخابات في إسرائيل حالياً فإن الشراكة بين حزبي "الليكود" و"يسرائيل بيتينو" ستحقق 37 معقداً من 120 بدلاً من 31 مقعدا لهما في الكنيست الحالية.. كما أن حزب المستوطنين "البيت اليهودي" الذي له 12 مقعداً سيزيد 3 مقاعد ليحصل على 15 مقعداً، هذا يأتي على حساب كل التشكيلات الأخرى.. نسوق هذه النتائج كدليل على طبيعة التحولات الجارية في الشارع الإسرائيلي، وهي تحولات نحو المزيد من التشدد في رفض الحقوق الفلسطينية.. على ماذا يدل كل ذلك:
أولاً: أن هناك فواصل بسيطة بين أعضاء الائتلاف الحكومي الحالي في إسرائيل، وأن كافة الأحزاب في هذا الائتلاف لديها قواسم مشتركة عنوانها: رفض الحقوق الوطنية الفلسطينية. والوقوف بحزم ضد إعطاء الفلسطينيين أي حقوق. بما في ذلك عدم إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين من ذوي الأحكام الطويلة (المؤبدة). للعلم فإن معظم من أُطلق سراحهم من المعتقلين في الدفعات الثلاث هم من قاربت أحكامهم على الانتهاء. الفروقات والخلافات بين أعضاء الائتلاف الحكومي هي هامشية ليس إلا!
ثانياً: لقد نجح نتنياهو في حكومته السابقة بإبقائها أربع سنوات في الحكم، وهو أكبر عدد سنوات لحكومة منذ العام 1996 وبعد انتخابات مطلع 2013 شكل نتنياهو حكومة أكبر ثباتاً من سابقاتها، الأمر الذي يشي بأن الحكومة الإسرائيلية مرشحة للبقاء سنواتها الأربع القانونية، ففي الدورة الشتوية للكنيست أثبت هذا الائتلاف قوته التحالفية.
ثالثاً: عقم المراهنة على أي حلول يوقع عليها هذا الائتلاف الحكومي الحالي. بما في ذلك إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين ما قبل اتفاقيات أوسلو أو بعدها من منطقة 48. فالحكومة الإسرائيلية الحالية هي من أشد الحكومات تطرفاً، كذلك هو الكنيست الإسرائيلي السابق والحالي ففي عهديهما تم إقرار المزيد من القوانين العنصرية التي تستهدف أهلنا وحقوقهم السياسية وفي كافة المجالات الأخرى.
رابعاً: إن أي مفاوضات قد توافق على إجرائها السلطة الفلسطينية في ظل الأوضاع الحكومية الإسرائيلية الحالية. هي ليست أكثر من وهم يعتقده المفاوض الفلسطيني لذلك فإن المطلوب هو: عدم العودة إلى المفاوضات ووضع إستراتيجية أخرى في التعامل مع الكيان.
خامساً: إن ظهور أعضاء الحكومة الإسرائيلية الحالية وكأنهم في تعارض مع نتنياهو ليس أكثر من مسرحية وتبادل أدوار، وابتزاز كل حزب من هذه الأحزاب للحكومة ليقدم إليه نتنياهو المزيد من التسهيلات.
يبقى القول: إن هذه هي حقيقة عدونا الصهيوني وعلينا جميعاً إدراكها ومعرفة خلفياتها.
( الشرق 10/5/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews