الإنقسام السوري بعد التحرير : حقيقة أم خيال ؟
على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، يشتعل جدلٌ جديد في أوساط المعارضين السوريين ، اشتد أواره مع بداية شهر آذار.
محور الجدل هو تأريخ اليوم الأول الذي انطلقت فيه أولى شرارات الثورة السوريّة، أهو الـ ١٥ من آذار حيث خرج الناس في دمشق يهتفون للحريّة، أم الـ ١٨ منه ، وهو اليوم الذي سقط فيه أول شهداء الثورة : محمود جوابرة، في مدينة درعا أقصى الجنوب السوري .
تتعاظم حدّة هذا النقاش يوميّاً مع عبور المواعيد المختلف عليها روزنامة الأحداث : حيث تدخل الثورة عامها الثالث، وقد بذل الشعب المنتفض في مواجهة الظلم والاستبداد أغلى ما عنده ، وها هو لا زال يهتف بثقة أدهشت الدنيا " الموت ولا المذلّة".
يتخوّف كثيرون من هذا الجدل " البسيط " في الواقع ، إذا ما قورن بما سواه ، ويجد البعض فيه مزيداً من الانقسام و التضاد، ويخشى كثيرون ( لأسباب وجيهة كبرى ) أن تتحوّل سوريا ساحةً لمعارك داخليّة قد تمتّد لأعوام ، فيستحيل الشعب الواحد شعوباً متناحرة ، ومِللا ونِحَلا لا سبيل لجمعها أبدا ، وينسى هؤلاء - في غمرة كلّ هذه المخاوف - من هم السوريون !.
ينبئنا التاريخ ، أن السوريين عاشوا معاً في ظلّ كلّ الظروف والمحن التي ألمّت بهم، وعلى اختلاف أديانهم وانتماءاتهم العرقيّة ومرجعيّاتهم الثقافيّة، حيث اشتركوا في مصير واحد وبذاكرةٍ مشتركة تجعل كلّ فردٍ منهم يدرك تماماً - مهما بدا المشهد مظلماً اليوم - أنّ المستقبل أكثر إشراقاً، والمعجزة بدأت فعلاً، ولن يتمكن أحدٌ من تغييرها .
السوريون اليوم بدأوا بالعودة إلى ذاتهم من جديد، وها إننا نراهم رأي العين يتواصلون ويتعاضدون، يطمئنون على وحدتهم واتحادهم ، يدركون أنّ النفس الطائفيّ الموجود حاليّاً بينهم ليس إلا غضباً سينجلي عما قليل ، ولن يكون نهجاً للمستقبل الذي لطالما حلموا به ، فخرجوا إلى الشوارع ابتغاء تحقيقه .
ستسقط في سوريا الجديدة كلّ دعاوي الفرقة والتشرذم والإنقسام التي خطط لها النظام بخبث ، فالساحة تتسع للجميع، تجمع الكلّ تحت رايةٍ واحدة، هي ذاتها النسيج الأزليّ لهذه البقعة من العالم : أناسٌ مختلفون متنوعون يعيشون جنباً إلى جنب، زوال أحدهم يعني زوال الآخرين ، وانكفاء بعضهم يعني انكفاء سوريا كلها .
نعم .. يختلفون كلّ يوم ، في كلّ التفاصيل، فلطالما اختلفوا وكانوا مختلفين، إلا أنهم يبحثون في النهاية عن بعضهم ، ويؤوبون لذواتهم ، حيث تمحى الحواجز ، وتنعدم المتاريس ، وتتلاشى الحدود والخطوط .
في سوريا ثورةٌ حقيقية ، ليست ثورة على الطغيان وحسب، بل هي ثورةٌ على كلّ ما حط ويحط من قدرهم وإمكاناتهم وطاقاتهم العظيمة التي أجهضت عبر عقود الإذلال والإستعباد ، ثورةٌ على صمت الآباء، على العزلة، على الجهل والعقول المتحجرة، ثورةٌ سيذكرها كلّ عربيّ وكل حر ، وستكتب بأحرف من نور ، يسطّرها التاريخ نقطة تحوّلٍ في تاريخ الإنسانيّة، كما هي أعظم الثورات التي قرأنا عنها، حلمنا بها ، وتحسّسنا صدقها ونقاءها .
إن كانت بداية الثورة أرخت في الخامس عشر أو الثامن عشر من آذار، فلا فرقَ كبيرا أبدا .. فلقد انطلقت ثورة سوريا ، مضت بثبات ، دخلت عامها الثالث ، وها هي كالطوفان تبتلع المتجبرين وفراعنة العصر ودهاقنة الزمان ، بينما سيمتطي الشعب السوري العظيم سفينة الوحدة والعزة التي تجري به في موج كالجبال ، وسترسو بإذن الله على " الجوديّ " سالمة غانمة ، ولو كره الكارهون !.
فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews