حملة بشار الأسد الإنتخابية

انتهى يوم الخميس الفائت موعد تقديم طلبات الترشح للانتخابات الرئاسية السورية، وتقدم لها – بحسب المحكمة الدستورية العليا- ٢٤ شخصا.

ستقوم المحكمة العتيدة ، خلال الأيام القادمة ، بدراسة الطلبات قبل الاعلان عن أسماء المرشحين " رسمياً " في غضون شهر لبدء انتخابات يعتبرها الغرب والمعارضة "مهزلة " ، ومن غير شك ، فستبقي نتائجها الأسد جاثما على صدور شعبه ، بكل ما يعنيه إعلان فوزه من مأساة وفجيعة .

أربعون عاماً لم يعرف خلالها الشعب السوري اسماً غير الأسد (الأب والابن ) حاكماً لسورية، واليوم ، وفي هذه المهزلة المُسماة " الانتخابات الرئاسية " تقدّم ٢٤ اسماً، يتفكه السوريون - رغم آلامهم - أنهم - هؤلاء المرشحين - يتقدم أحدهم بطلب ترشيحه لرئاسة سوريا الأسد " ، ثم يدعم طلبه بصور له ، وفي الخلفية صورة الأسد الإبن.

وإذا سايرنا هذه المهزلة ، فإنه وبحسب القانون : على الراغبين بالترشح تقديم طلب إلى المحكمة الدستورية العليا، والحصول على موافقة خطية من ٣٥ عضوا في مجلس الشعب البالغ عدد أعضائه ٢٥٠ كشرط أساس لقبول الترشيح رسمياً .

وأنه وبعد عملية الانتهاء من موافقة أعضاء المجلس على المترشحين ، ينتقل صندوق الموافقة إلى المحكمة ليصار إلى فرز الأصوات ودراسة قانونية الطلبات.

وعلى اعتبار أن كتلة حزب البعث العربي الاشتراكي – الحزب الحاكم في سورية - والبالغ عدد نوابها ١٦١ عضوا ستصوت لصالح بشار الأسد، ووفق عدد النواب الباقين ، فإنه لا يمكن سوى لمرشحين اثنين أو ثلاثة من أصل الـ ٢٤ نيل الأصوات المطلوبة لقبول ترشيحهم .

أي أن المهزلة كاملة صُممت ونُفذت لخدمة فكرة الديموقراطية المزيفة وفوز بشار الأسد بالإنتخابات.

وليكتمل السيناريو ، ونظراً لأن هذه الانتخابات المضحكة ستكون أول " انتخابات رئاسية تعددية " في سورية منذ نصف قرن، فإن الاحتفالات والمسيرات تعمُّ شوارع العاصمة دمشق التي تحمل صور بشار الأسد ، وبجانبه صور حسن نصر الله، وترفع العلم السوري النظامي وأعلام حزب الله، كمظهر من مظاهر الفرح بالانتصار.

وأما عن حملة بشار الأسد الانتخابية ، فتختلف عن أي حملة أخرى في تاريخ البشرية قاطبةً، حيث يشكل قتل الأطفال الأبرياء فيها السمة الأبرز ليكون عنوانها العريض : انتخبوا قاتل أطفال سورية.

لقد كان آخر مجازر بشار الأسد مقتل عشرات الأطفال في غارة جوية على مدرسة (عين جالوت) في حلب عندما استهدف صاروخ فراغي هؤلاء الأطفال أثناء تلقيهم حصصهم الدراسية، مما أسفر عن مقتل وجرح العشرات منهم ، وحالة بعضهم خطيرة.

وللمفارقة ، فقد كان من المقرر افتتاح معرض لرسوم الأطفال داخل مدرسة (عين جالوت)، وذلك بعد انتهاء الدوام الدراسي، تعبيرا عن هواجس أطفال سورية تجاه الحرب الدائرة في بلادهم منذ أكثر من ثلاث سنوات، لتكون هذه الرسومات انعكاساً لواقع مؤلم بكل ما خلفته هذه الحرب من آثار سلبية موجعة على الأطفال وذويهم ، وليأتي صاروخ الغدر الأسدي قاضياً على أي إمكانية أو رغبة بالحلم والاستمرار، وليجعل من اللون الأحمر اللون الطاغي على بقية الألوان ، وعلى طفولة بريئة لديها من الأحلام والآمال والطموحات ما يسمح بإعادة إعمار وبناء سورية الغد.

إذاً : مزامير وأعيرة نارية ولقاءات وندوات تلفزيونية ومسيرات (عفوية) تجوب شوارع دمشق ، عاصمة الأمويين ، التي تحولت إلى مستعمرة فارسية إيرانية، حيث علم حزب الله إلى جانب علم النظام السوري، وصور حسن نصر الله والخامنئي إلى جانب صور بشار الأسد ، حتى أنها تطغى عليها في الحجم والكثرة، ناهيك عن الأغاني واللطميات الشيعية في السيارات والمحال التجارية والمطاعم .

في دمشق أصبح هناك وجودٌ لوجوه وملامح لا تمت للمجتمع الدمشقي والسوري بصلة، في دمشق أصبح هناك سلوكيات لا تعبر عن الدمشقيين أصحاب دين الإسلام المعتدل المحافظ .

وأما في ضواحي العاصمة وفي ريفيها وبقية المحافظات والقرى والبلدات السورية ، فحربٌ مستعرة وتفجيرٌ وقتل ودمار وأطفال أبرياء يصعدون إلى السماء .

أخيراً : لنضع فرضية أن بشار ليس هو المجرم، وأن هناك مؤامرة وحربا كونية عليه وعلى سورية تستهدف أمن سورية ووحدتها الوطنية – بحسب رواية النظام الأسدي- لنفترض كل هذا : كيف إذاً يرشح بشار الأسد نفسه لانتخابات رئاسية وبلده تعاني من كل هذا العنف والقتل ؟ وكيف يسمح أساساً بإجراء هذه الانتخابات وبلده غارق في بحر من الدماء والدمار؟!! لولا أنه المسؤول الأول عن دمار سورية ومقتل مئات الآلاف واعتقال وتشريد الملايين من السوريين.

د. فطين البداد

fateen@jbcgroup.tv