التقرير الأسبوعي: مأزق مرسي وانتصار فلسطين
مواجهة الإخوان مع القوى المدنية في مصر ونجاح السلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة وانتصارات المعارضة المسلحة في سوريا، هما إجمالي الأحداث التي شهدتها الفترة من 23 إلى 29 نوفمبر في المنطقة العربية. وخلال تلك الفترة اشتعلت المواجهات في شوارع مصر بين مؤيدي ومعارضي الرئيس الإخواني محمد مرسي على خلفية الإعلان الدستوري الجديد الذي منحه سلطات مطلقة وهي المواجهات التي دفعت الإخوان والسلفيين إلى التسريع باصدار الدستور الجديد دون وجود القوى المدنية في الجمعية التأسيسية.
وفي سوريا، سيطرت مشاهد الانتصارات العسكرية المتوالية للمعارضة على القوات النظامية وميل كفة المواجهات لصالح المجموعات المسلحة في الوقت الذي يتجه فيه الائتلاف الوطني إلى تشكيل حكومة انتقالية تسمح لعه بتعيين سفراء والحصول على اعتراف دولي وإقليمي جديد يمنحه القدرة لتعزيز نفوذه على المعارضة المسلحة في الداخل.
وفي نيويورك، حققت السلطة الفلسطينية نجاحاً دبلوماسياً هاماً عبر منح فلسطين وضعية "دولة غير عضو" مثلها مثل الفاتيكان. وهي الوضعية التي منحها حق الانضمام لعدد من المنظمات الدولية وفي مقدمتها المحكمة الجنائية الدولية وبالتالي القدرة على مقاضاة القادة الإسرائيليين على جرائم الحرب. وهو الانتصار الدبلوماسي الذي عكس سعي الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" في تعزيز شعبيته بالضفة الغربية استعداداً لبدء جولة جديدة من مفاوضات المصالحة مع "حماس" المنتعشة بانتهاء العدوان على غزة باقل خسائر وتحقيق نصر سياسي بمنع العدوان البري على القطاع وتسهيل الحركة عبر المعابر.
مصر: "الإخوان ينتجون دستوراً متسرعاً
في ظهر 29 نوفمبر، كان المصريون يشاهدون عبر شاشات التلفاز أسرع عملية تصويت على دستور في التاريخ الحديث بالمنطقة وربما في العالم. فقد نجح تنظيم "الإخوان" في حشد انصاره بالجمعية التأسيسية لكتابة الدستور ورفاقه من التيار السلفي للتصويت على مواد الدستور منالصباح حتى الساعات الأولى من صباح 30 نوفمبر في محاولة "متسرعة" لإنهاء الأزمة السياسية التي خلفها الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس الإخواني محمد مرسي في 22 نوفمبر.
وبرز خلال التصويت - الذي تم باستقدام الاعضاء الاحتياطيين في الجمعية التأسيسية بديلاً عن اصحاب التيار المدني الذي انسحبوا من الجمعية- حالة التسرع في اقرار المواد ومحاولة رئيس الجمعية حسام الغرياني الحيلولة دون مناقشات مستفيضة قد تقود لتأجيل عملية الانتهاء من التصويت على المواد الدستورية. بالتوازي كان هناك ميلاً للبعد عن المواد الخلافية والحفاظ على المادة الثانية كما هي أن "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع" دون تغيير. في تنازل واضح للتيار السلفي لصالح "الإخوان" لتمرير الدستور وانهاء حالة الانقسام التي انتجها الإعلان الدستوري، من خلال الاستفتاء على الدستور سريعاً ليصبح الإعلان الدستوري في حكم العدم.
ويسعى "الإخوان" عبر عملية التصويت المتسرعة إلى كسب الأرض من التيار المدني الذي نجح في تحقيق انتصار معنوي عبر تنظيم مليونتي الجمعة 23 نوفمبر والثلاثاء 27 نوفمبر. والتي شارك فيها مئات الألاف من المصريين المعارضين لللإعلان الدستوري الذي منح الرئيس محمد مرسي سلطات مطلقة وانتهك به سلطات القضاء. وهي التحركات الشعبية الضخمة التي توازت مع إعلان قضاة مصر في 27 نوفمبر تعليق العمل في كافة المحاكم بما فيها محاكم النقض والاستئناف في واقعة هي الاولي خلال تاريخ مصر الحديث.
بالتوازي، قاد الإعلان الدستوري إلى حالة انقسام واضحة في الشارع المصري ما بين القوى الإسلامية المؤيدة للرئيس "الإخواني" والمعارضة المدنية التي نجحت في لم الشمل عبر جبهة الانقاذ الوطني التي ضمت كافة الرموز المدنية من محمد البرادعي وحمدين صباحي وعمرو موسى. وانتقلت حالة الانقسام إلى الشوارع، حيث شهدت اغلب محافظات مصر مواجهات بين مؤيدي ومعارضي مرسي وهي المواجهات التي اسفرت عن مقتل كل من جابر صلاح واسلام مسعود اللذان ينتميان لحركة "6 ابريل" و"الإخوان" على التوالي. وهي الاحداث التي اظهرت ان اكبر الخاسرين فيها هو التيار الإسلامي، مما دفع هذا التيار لإلغاء مظاهرة الثلاثاء ويعود لينقل مظاهرات السبت الأول من ديسمبر من ميدان التحرير الذي تعتصم به القوى المدنية إلى قرب جامعة القاههرة بالجيزة.
واعتبر البعض مشهد الاشتباكات في الشوارع ارهاصات لحرب شوارع بين القوى السياسية في لحظة سياسية حرجة. ودفع البعض إلى أن الرئيس المصري هو المسئول الرئيسي عن هذه المواجهات وانقسام الشارع من خلال إعلانه الدستوري. في المقابل، دفاع التيار الإسلامي عن الإعلان الدستوري بالحديث عن مؤامرة المحكمة الدستورية لعزل الرئيس وانهاء العمل باعلان الدستوري لشهر أغسطس واعادة المجلس العسكري. وهما الأمران اللذان نفتهما المحكمة الدستورية العليا بشكل واضح في بيان رسمي يوم 28 نوفمبر. وفي المقابل، فشل الرئيس المصري عبر حديثه المتلفز مساء 29 نوفمبر في كسب ارضية جديدة لقراراته، حيث بدا عليه نوعا من الارتباك والتكرار بشأن المؤامرة ومعارضة "الفلول" من رجال النظام السابق وتأكيده على رفض الغاء الاعلان الدستوري.
السلطة الفلسطينية تنجح في اختبار الأمم المتحدة
نجح الفلسطينيون في معركة الحصول على وضعية "دولة غير عضو" في الأمم المتحدة، متقدمة خطوة بعد أن كانت مجرد كيان. وجاء هذا الانتصار الدبلوماسي، رغم تهديدات إسرائيل ومعارضة الولايات المتحدة، ليظهر قدرة الدبلوماسية الفلسطينية، بقيادة محمود عباس (أبومازن) على استغلال التعاطف الأوروبي والدعم الدولي للسلطة، بالإضافة إلى تمهيد الطريق امام مصالحة فلسطينية داخلية على قاعدة الانتصار المشترك: انتصار للسلطة في الامم المتحدة وخروج "حماس" عبر اتفاق وقف اطلاق النار مع إسرائيل في وضعية المنتصر.
وفي جلسة تاريخية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك مساء 29 نوفمبر، نالت فلسطين صفة الدولة المراقب بتأييد من 138 دولة بينهم فرنسا وروسيا والصين، في حين كان أبرز الرافضين التسعة الولايات المتحدة وألمانيا، وسُجَّل امتناع 41 دولة عن التصويت.
واظهر التصويت في الأمم المتحدة (29 نوفمبر) أن السلطة الفلسطينية نجحت في حشد تأييد 12 دولة أوروبية في مقدمتهم فرنسا وإسبانيا والدنمارك. وهو الدعم الذي جاء على خلفية سعي الاوروبيين إلى تقوية السلطة في مواجهة حركة "حماس" التي ترفض المفاوضات من جانب. ومن جانب آخر، وضع مسافة بينها وبين الدبلوماسية الأمريكية التي رفضت القرار ومنح الاتحاد الأوروبي فرصاً أكبر كوسيط مستقبلي بين الفلسطينيين وإسرائيل.
وبالتوازي، اقدمت السلطة الفلسطينية على خطوة شجاعة برفض التهديدات الأمريكية بخفض المساعدات الاقتصادية لتسعيد جزءاً من شعبيتها المفقودة داخل الضفة الغربية بسبب اذعانها "شبه الدائم" للإرادة الأمريكية، كما تحدث تلويح إسرائيل بتقليص عوائد الضرائب الفلسطينية التي تجمعها لصالح السلطة وتحولها لها شهرياً. ومن هنا استعادت السلطة وأبومازن وجه "المقاوم" لتوازن خطابها مع حركة "حماس" المسيطرة على قطاع غزة.
وفي الوقت نفسه، فإن مكاسب السلطة تجاوزت تعلزيز نفوذها الشعبي في الضفة إلى فتح الباب أمام إمكانية الوصول لمصالحة فلسطينية مع "حماس" على أسس جديدة مغايرة لاتفاق الدوة الأخير، حيث أدركت "حماس" عبر معركتها الأخيرة في غزة مع إسرائيل أنها لا يمكن أن تتخلى عن الدعم الاقليمي والدولي في ظل برودة علاقتها مع طهران وانقطاع الخطوط مع نظام الأسد في سوريا، مما دفع رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل للتأكيد (26 نوفمبر) على تأييد الحركة لمسعى السلطة في الحصول على وضعية "دولة غير عضو وهو نفس وضع الفاتيكان التي يمنحها الفرصة للانضمام لمحكمة العدل الدولية وعدد من المنظمات الدولية.
بالتوازي مع هذا النجاح الدبلوماسي، أقدم أبومازن على خطوة استخراج رفات الزعيم الفلسطينيي الراحل ياسر عرفات (28 نوفمبر) من مقبرته في رام الله لتحديد إذا ما كان قد تعرض للتسمم. وهي الخطوة التي انهت الجدل بشأن إمكانية تورط أحد في السلطة في اغتيال الزعيم الفلسطيني. مما يمثل استبعاد لمحاولات نزع الشرعية عن السلطة باعتبارها مشاركة او تسعى للتغطية على كشف الحقائق في هذا الملف الشائك.
ةفي غزة، نجحت "حماس" في تصدير اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل بضمانات مصرية كونه انتصاراً سياسياً وعسكرياً، مما منح الحركة زخماً كان مفقوداً في القطاع خلال الأشهر الأخيرة. وجاء اتفاق وقف إطلاق النار في 21 نوفمبر ليمنح "حماس" الفرصة لالتقاط الانفاس ويحول دون عملية برية كانت سيدفع سكان القطاع ثمنها من أرواح وممتلكات. وبرز خلال المفاوضات التي رعتها المخابرات المصرية أن صوت التهدئة ورفض التصعيد كان مسيطراً على خطاب الحركة والتي بدت وأنها أكثر خبرة مقارنة بمفاوضات انهاء عدوان 2008.
وعلى الجانب الإسرائيلي، دخلت الدولة العبرية في اتون معركة انتخابية ساخنة سريعاً. فمن ناحية بدا أن تحالف رئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو ووزير الخارجية افيجدور ليبرمان تحت اسم "الليكود – بيتنا" يتجه إلى تحقيق انتصار سهل في الانتخابات البرلمانية المقرر اجراؤها في 22 يناير المقبل. ولكن هذا الانتصار لن يكون "هدية كبرى" لنيتانياهو، حيث جاءت نتائج الانتخابات التمهيدية لحزب "الليكود" لاختيار مرشحي الحزب (27 نوفمبر) مخيبة لآماله في الحصول على قائمة معتدلة.
ففي هذه الانتخابات، انحاز أعضاء "الليكود" لصالح الجناح المتشدد. وأطاحت الانتخابات بأربعة من حلفاء نيتانياهو الرئيسيين وهم دان مريدور وبنيامين بيجين (أبن رئيس الوزراء الأسبق مناحم بيجين) وابراهام ديختر وميخائيل ايتانـ وهم من مؤيدي المفاوضات مع الفلسطينيين ـ في المقابل، نجح الجنرال السابق موشي يعلون, وزير الشئون الاستراتيجية, في احتلال مركز متقدم علي قائمة الليكود. وهو المرشح الأقرب لخلافة وزير الدفاع الحالي إيهود باراك الذي أعلن - في 26 نوفمبر - اعتزال العمل السياسي, بالإضافة إلي وزير التعليم الإسرائيلي جدعون ساعر ووزير البيئة جلعاد إردان وسيلفان شالوم واسرائيل كاتس والنائبين المؤيدين للاستيطان داني دانون وياريف ليفين. وذكرت صحيفة "هاآرتس" في عدد 27 نوفمبر أن من بين المراكز العشرين الأولي في قائمة انتخابات الليكود لا يوجد غير النائب كارمل شاما كوهين يؤيد إقامة دولة فلسطينية بالإضافة إلي نيتانياهو, مما قد يجعل إمكانية العودة لمائدة المفاوضات مع الفلسطينيين شبه مستحيلة.
سوريا في انتظار الحكومة الانتقالية
واصل الائتلاف الوطني السوري المعارض سيره على خطى فرض وجوده على ساحة الصراع المفتوح في سوريا خلال الأيام الأخيرة. فبعد نجاحه خلال الأسبوع الماضي في الحصول على الدعم الأوروبي والعربي والاعتراف به كممثل شرعي للشعب السوري. بدأ الائتلاف - في 28 نوفمبر - اجتماعاته الموسعة في القاهرة لبحث تشكيل حكومة انتقالية وسط توقعات بأن يكون المعارض أسعد مصطفى، وزير الزراعة في عهد حافظ الأسد والذي انشق احتجاجاً على سياسيات الأسد الأب قبل عقدين، هو الاقرب لتولي رئاسة هذه الحكومة مع تراجع فرص رئيس الوزراء السابق رياض حجاب.
وفي حال نجاح الائتلاف في تشكيل الحكومة الانتقالية فإنه سيكون قد انتقل خطوة مهمة للأمام على صعيد ابراز وجوده وحشد المزيد من الدعم الدولي. وتكون المهمة الابرز له خلال الفترة المقبلة هو تعزيز سيطرته ونفوذه على المجموعات المعارضة المسلحة داخل سوريا. وهي المهمة التي لن تتحقق دون نجاح "الائتلاف" في توفير السلاح لهذه المجموعات وكسب المزيد من الدعم الدولي والإقليمي للمعارضة المسلحة تحت مظلته.
ويبدو أن الأطراف الدولية استوعبت بشكل واضح هذه الحقائق، حيث بدى أن الطريق للحيلولة دون انتقال قيادة المجموعات المسلحة للمتشددين لن يمر دون تعزيز شرعية "الائتلاف" ومنحه المزيد من القدرة على توفير السلاح. وظهر هذا الإدراك الدولي من خلال قرار الاتحاد الأوروبي في 28 نوفمبر يتجديد الحظر على بيع الأسلحة للأطراف المتحاربة في سوريا ثلاثة أشهر فقط بدلاً من 12 شهراً. وهي إشارة بالغة الأهمية لإمكانية تغيير الاتحاد الأوروبي لموقفه بعد هذه الأشهر الثلاث وقبول مد المعارضة المسلحة باسلحة غير فتاكة ومعدات تدريب مثل الدروع الشخصية عبر الائتلاف الوطني. بالتوازي، كانت هناك التسريبات القادمة من واشنطن بأن الإدارة الأمريكية تسعى للإنخراط بشكل اقوى في الصراع لصالح المعارضة وانها في انتظار اللحظة المناسبة. وهي اللحظة التي يراها مراقبون تتمثل في تحول "الائتلاف" إلى قيادة حقيقية سياسياً وعسكرياً للمعارضة في الداخل.
بالتوازي مع هذا التقدم السياسي، حققت المعارضة المسلحة انتصارات نوعية على الجيش النظامي خلال الأسبوع من 23- 29 نوفمبر، حيث نجحت المعارضة المسلحة في اسقاط ثلاث طائرات حربية على الاقل بالإضافة إلى عدد من المروحيات في حلب ودير الزور وريف دمشق. وهو ما يمثل بداية النهاية لسيطرة القوات النظامية على سماء المعارك الضارية في هذه المناطق الثلاث الرئيسية. بالإضافة إلى أن المعارضة ابرزت تفوقاً واضحاً في السيطرة على القواعد العسكرية بعد النجاح في السيطرة على قاعدة الميادين في النصف الثاني من نوفمبر. ونجحت المعارضة في السيطرة على مقر الفوج 46 التابع للجيش النظامي في 18 نوفمبر بعد حصار دام 50 يوماً وعلى مطار مرج السلطان العسكري بريف دمشق في 25 نوفمبر.
وهي السيطرة المؤقتة التي تمنح المعارضين الأسلحة الموجودة في الموقع وتنزل هزيمة بمعنويات عناصر الجيش النظامي. وهناك أيضاً التقدم على طريق قطع الامدادات لجيش الاسد في حلب ودير الزور. ولعل هذه التحولات الكيفية تدفع البعض للحديث عن بدء معركة دمشق الفاصلة. ولكن الواقع الميداني يخبرنا إن معركة دمشق ستحتاج تجهيزاً طويلاً ووجود نوعية مختلفة للأسلحة في ايدي المعارضة وإلا ستتحول إلى هزيمة معنوية قاسية للمعارضة في لحظة تقدمها. ولعل نجاح الجيش النظامي في استعادة السيطرة بعد المعارك المتقطعة مساء الخميس 29 نوفمبر قرب المطار الدولي دليلاً على ذلك، حيث يحتاج المعارضون عند بدء معركة دمشق انتصاراً واضحاً لدفع سكان العاصمة المؤيدون للاسد للوقوف على الحياد وعدم خسارتهم عبر تفجيرات في المناطق التي يقطنها اغلبية من الدروز والمسيحيين كما حدث في تفجير سيارتين مفخختين في 26 نوفمبر.
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews