حكومة محلب.. صاحبة اليد الثقيلة!!
كان الكثيرون يتهمون حكومة د. حازم الببلاوي بأنها صاحبة يد مرتعشة, ولا يختلف اثنان علي أن د. الببلاوي أستاذ في الاقتصاد لا يشق له غبار, ولكن حكومته كانت شديدة الحساسية نحو جماعات الضغط, وتفضل تأجيل المواجهات لمن سيأتي بعدها.
ويبدو أن حكومة المهندس إبراهيم محلب استوعبت الدرس جيدا, ونحت جانبا ضغوط الشارع, ورأينا لأول مرة عشرات العمارات والأبراج يتم نسفها بالديناميت وإزالتها من علي وجه الأرض لأنها خالفت قواعد البناء لتعطي درسا لكل من يخالف أن في مصر حكومة قوية يدها ثقيلة غير مرتعشة ولا تخضع للابتزاز.
ورأينا لأول مرة حكومة انتقالية وبدون تشكيل لجان ينبثق عنها لجان فرعية تقرر استخدام الفحم في توليد الطاقة في مصانع الأسمنت, وهو وإن اختلف عليه الكثيرون خوفا من سلبياته والأضرار الناشئة عن احتراق الفحم علي صحة المصريين, إلا أنه بلا شك قرار أقل ما يوصف به أنه جريء, لأن الحكومة كان يمكنها ن ترجئ هذا القرار محل الخلاف إلي أن يأتي مجلس نيابي بعد شهور قليلة ليكون مسئولا أمام الشعب عن نتائج هذا القرار.
ولأول مرة أيضا نري أن الحكومة تعلن عن نيتها لإصدار قرارات اقتصادية تؤثر علي تكاليف الحياة اليومية للمواطن قبل شهر من إصدارها وليس كما فعلت حكومة القيسوني التي فاجأت الشعب بقرارات كانت صائبة ولكنها كانت مفاجئة فكانت الانتفاضة الشعبية, وقررت حكومة محلب أن تقتحم ملف الدعم الذي تخوفت الحكومات المتعاقبة علي مدار ثلاثين عاما من الاقتراب منه خاصة بعد انتفاضة يناير71 حتي أصبح مثل الورم الخبيث في جسد الموازنة المصرية.
وفي الحقيقة فإن حكومة محلب صاحبة اليد الثقيلة عندما تقرر زيادة أسعار الكهرباء ووقود السيارات فإنها تحقق العدالة الاجتماعية, لأنه ليس من العدالة أن تظل الدخول في مصر بهذا القدر الهائل من التفاوت فهناك فقراء يعيشون تحت خط الفقر, وآخرون يملكون ما يجعلهم ضمن تصنيفات أغنياء العالم, وثروات الأغنياء في مصر تفوق ثروات أمثالهم في جميع الدول العربية فيما عدا المملكة السعودية, وهي ظاهرة صحية أن يكون لدينا أغنياء ورجال أعمال بهذا الحجم وهذه الثروات, ولكن الظاهرة المرضية هي أن يكون وسط هؤلاء الأغنياء من لا يجد فرصة للعلاج في مستشفي عام أو التعليم في مدرسة حكومية أو الاشتراك في ناد رياضي رسومه تتجاوز الـ100ألف جنيه.
كل المطلوب من حكومة اليد الثقيلة أن تؤكد للشعب أن الأموال المتوافرة من رفع الدعم جزئيا عن الوقود والكهرباء تستهدف تحقيق العدالة الاجتماعية الحقيقية لكي يدفع الأغنياء ثمن استهلاكهم من الوقود للسيارات الفارهة, ومن الكهرباء ثمن أجهزة التكييف, وأن تلك الأموال المتوافرة سوف تعالج جزءا من عجز الموازنة حتي لا يتحملها الفقير من خلال التضخم وارتفاع الأسعار المتوقع, وأن جزءا من تلك الأموال سيتم توجيهه نحو تحسين التعليم والحد من الدروس الخصوصية, وبناء مستشفيات تعطي العلاج والدواء لمن يستحقه من الفقراء.
حكومة المهندس محلب أيضا فتحت ملفا غاية في الأهمية, وهو إعادة الروح لمصنع الحديد والصلب, وكنت قد طلبت د. هشام قنديل رئيس الوزراء الإخواني الأسبق وفي اجتماع موسع مع عدد من رؤساء تحرير الصحف أن يلتفت إلي صناعة الحديد والصلب لأنه لا توجد دولة حققت تقدما صناعيا بدون أن يكون لديها صناعة متقدمة في الحديد والصلب, المفارقة أن زيارة محلب لمصانع الهيئة العربية للتصنيع التي أعقبها بزيارة لمصنع الحديد والصلب كشفت عن مفارقات عجيبة شرح جزء منها المهندس منير فخري عبد النور في لقائه مع أعضاء مجلس الأعمال المصري الكندي الذي عقد مؤخرا برئاسة معتز رسلان رئيس المجلس, وكشف وزير الصناعة والتجارة والاستثمار عن مدي الانضباط والجودة في الإنتاج لمنتجات عالية التكنولوجيا في الهيئة العربية للتصنيع وأنه مع ذلك فإن متوسط مرتبات العاملين كان لا يتجاوز1200 جنيه حتي جاء قرار الحد الأدني ليرفع تلك الأجور والمرتبات, وأن حوافز الإنتاج حقيقية لمن يعمل, وكذلك الجزاءات والخصومات حقيقية لمن لا يعمل, وأن الهيئة تطبق وبحق قاعدة ارتباط الأجر بالإنتاج.
علي الجانب الآخر وللأسف فإن قلعة صناعة الحديد والصلب في مصر والمنطقة العربية والشرق الأوسط سابقا, تحولت إلي مكان لابتزاز العمالة غير المنتجة وصراع بين النقابات العمالية المستقلة, ووصل متوسط الأجور والدخول فيها لأكثر من6 آلاف جنيه في الشهر للعامل, وأن الذين يعملون في هذه القلعة الصناعية المستهلكة يصل عددهم علي الورق إلي11 ألف عامل بينما الذين يعملون حقيقة لا يتجاوز عددهم3 آلاف عامل فقط أي حوالي25% من عدد العاملين.
المصريون علي استعداد لتحمل أصعب الأعباء وأن يستوعبوا قرارات حكومة اليد الثقيلة بشرط أن يشعروا بالعدالة وعلي رأسها العدالة الاجتماعية التي تأخذ من القادر لتعطي لغير القادر ليس لكي يعيش عالة علي الأغنياء ولكن لكي يتحول من مستهلك يتلقي المساعدة إلي طاقة إنتاجية تساهم في بناء وطن جديد يليق باسم مصر صاحبة أول حضارة عرفها العالم.
( المصدر بوابة الاهرام 2014-04-27 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews