لماذا نحتاج إلى الحوكمة؟
بحسب الدراسة التي أنجزتها شركة بي دبليو سي الاستشارية، فإن 80 في المائة من الشركات في الشرق الأوسط مملوكة لشركات عائلية أو تقوم شركات عائلية بإدارتها، 5-8 في المائة فقط من هذه الشركات تنجح في الاستمرار إلى ما بعد الجيل الثالث. إن هذه الإحصائية تُعتبر مؤشراً مهماً بما تحمله من مدلولات كبيرة على الاقتصاد الوطني، حيث إن هذه الشركات، ولا سيما الكبيرة منها، تشكل ثقلا اقتصاديا كبيراً، على الرغم من أنها غير مدرجة بالسوق المالية. حيث إنها تشارك بشكل كبير في خلق الوظائف والمساهمة في نمو الناتج المحلي. وفي هذا السياق، أظهرت بعض الإحصائيات أن الشركات غير المدرجة بالسوق تمثل أكثر من 80 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.
ما يستحق الوقوف عنده أن العديد من هذه الشركات تتميز بالتفرد في صناعة القرار، بل وغياب الأسس العلمية الصحيحة التي يقوم عليها صنع القرار. كما نلحظ بشكل واضح غياب العمل المؤسسي وروح الفريق والأنظمة الواضحة التي تسير عمل الشركة.
لقد ألقت الكثير من الدراسات الضوء على العديد من القضايا الخاصة بالأطر التنظيمية الداخلية للشركات التي تؤثر في استمرارية الشركة على المدى البعيد. فعلى سبيل المثال، تبين أن أكثر من 70 في المائة من الشركات العائلية لا تملك أية آليات لفض النزاعات بين الشركاء، ما يؤثر سلباً في مسيرة الشركة ومستوى إنتاجيتها، وقد يؤدي في بعض الحالات إلى توقف الشركة عن ممارسة أعمالها.
إن الحوكمة اليوم بمثابة دستور للشركة يوضح جميع الأنظمة والقوانين الخاصة بالشركة، رؤيتها، علاقة الملاك بالشركة، وقبل ذلك كله توجه الشركة وطريقة إدارتها.
نجد اليوم العديد من الشركات العائلية تدار بطريقة الملكية الخاصة، حيث يكون لأعضاء مجلس إدارتها، ممثلا في أفراد العائلة، الكلمة الحاسمة، وإن كانت على حساب المصلحة العليا في الشركة.
إن معرفة الحد الفاصل بين الملكية والإدارة هو أهم معايير النجاح في هذا النوع من الشركات، فالإدارة القوية تقوم على أساس قرارات مبنية على أسس علمية، خبرات سابقة، والأهم التكيف مع المتغيرات في بيئة العمل الحالية.
وبناء عليه قام العديد من الشركات العائلية الرائدة عالميا بوضع سياسات تنظيمية للشركة تشمل أدق التفاصيل، على الرغم من أن هذه الشركات ليست مدرجة بالسوق المالية، إلا أنها تؤمن بأن هذه السياسات هي صمام الأمان وضمان لاستمرارية الشركة على المدى البعيد والانتقال السلس للإدارة إلى الأجيال القادمة، كما أنها تحتوي على دليل إجرائي مفصل عما يجب عمله في حالة وجود خلافات بين أعضاء مجلس الإدارة.
ولن أتحدث في هذا السياق عن أمثلة عالمية فهي كثيرة ومعروفة للقارئ، إلا أننا سنسلط الضوء على اثنتين من الشركات الرائدة في سياقنا المحلي وهما: شركة المهيدب ومجموعة كانو. حيث استطاعت هاتان الشركتان تحقيق أداء تشغيلي متصاعد على مدى عقود من الزمن في مختلف القطاعات التي تعمل بها. ويعود ذلك إلى تواجد الهياكل الداخلية القوية والتخصص في مجلس الإدارة ووجود آلية واضحة لصنع القرار، ما يؤدي إلى أداء انسيابي للشركة.
نقترح في هذا السياق أن تبدأ مسيرة الحوكمة للشركات بشكل تدريجي، على أن يتم تطبيقها على ثلاثة مستويات مختلفة وفي كل مستوى تقوم الشركة بزيادة المتطلبات حتى نصل إلى نموذج الحوكمة المناسب للشركة مع الأخذ في الاعتبار القطاع الذي تنتمي إليه وطبيعة عملها والكثير من الاعتبارات الأخرى. كما نقترح أن يكون هناك دليل لأفضل الممارسات كمصدر مهم يمكن للشركة العودة إليه متى ما دعت الحاجة إلى ذلك. كما نأمل تطوير دليل تطبيقي لأفضل ممارسات الحوكمة للشركات غير المدرجة من قبل الجهات التشريعية في إطار جهود نشر ثقافة الحوكمة كمرحلة أولى.
إذن حديثنا عن الحوكمة ليس حديثا عاديا يمكن تجاهله أو تجاوزه، بل هو حديث عن استمرارية الشركة في القطاع الذي تعمل به وعن أداء اقتصادي يتسم بالتميز والسلاسة والاستدامة.
( الاقتصادية 24/4/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews