بعد المونديال .. أولمبياد ريو يزيد صورة البرازيل تشويها

في مجمع ديودورو الواقع إلى الغرب من ريو دي جانيرو، الذي هو في الوقت الحاضر مركز تدريب عسكري، لا يوجد ما يشير إلى أن هذا المكان سيكون بعد 850 يوماً فقط واحداً من الأماكن الرئيسية للألعاب الأولمبية.

أعمال البناء لم تبدأ بعد، والمشروع لا يزال متأخراً للغاية عن جدول المواعيد، لدرجة أن الجنود الذين يعيشون في هذه القاعدة لم يسمعوا حتى بذلك. وعندما طُرح هذا السؤال، صاح أحد الجنود من خارج شاحنة كان فيها وهو ينظر إلى زملائه متعجباً: "الألعاب الأولمبية؟ ماذا تقول؟ لا هذا ليس هنا، لا بد أنك تتكلم عن مكان آخر".

وعانت البرازيل بعض المشاحنات، التي برزت على الساحة العامة في إطار الاستعداد لكأس العالم لكرة القدم في حزيران (يونيو) المقبل، لكن بدأت تظهر أزمة أكبر حتى من ذلك حول نقص استعدادات ريو دي جانيرو للألعاب الأولمبية عام 2016.

وفي الأسبوع الماضي، أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية سلسلة من الإجراءات الطارئة، منها تشكيل "جهاز رفيع المستوى لصنع القرارات" للتعجيل بالتحضيرات، فيما تطالب بعض اتحادات الألعاب بنقل أماكن بعض المسابقات إلى مدن أخرى.

ووصف فرانسيسكو روسي بيبتي، رئيس رابطة اتحادات الألعاب الأولمبية الدولية الصيفية – التي تشكل المظلة لمنظمات الألعاب الرياضية - ما يحدث بأنه "أكثر الأوضاع خطورة" بالنسبة للألعاب في العقدين الماضيين.

وعندما فازت ريو دي جانيرو في عام 2009 احتفلت البرازيل بقرار المجلس الأولمبي الدولي كونها أول مدينة في أمريكا الجنوبية تفوز باستضافة الألعاب الأولمبية، واعتبر ذلك برهانا على المكانة الجديدة، التي أصبحت تتمتع بها البلاد على المسرح العالمي. وكان قد أُعلِن قبل ذلك بعامين فقط عن تسمية البرازيل لتكون الدولة المضيفة لكأس العالم في كرة القدم لعام 2014.

لكن سلسلة من حالات التأخير ومشاعر التذمر المتزايدة بين البرازيليين حول التكلفة الباهظة لهذه الألعاب حولتها إلى هدف للانتقاد في مظاهرات شهدتها البلاد، وجعلتها نقطة محورية للأجانب لكي يسلطوا من خلالها الضوء على ضعف المؤسسات البرازيلية. وكانت النفقات الزائدة على كأس العالم لكرة القدم واحدة من الأسباب، التي أدت إلى مظاهرات هائلة اشتعلت في أنحاء البلاد في حزيران (يونيو) الماضي.

وعلى الرغم من أنه من السهل استضافة الألعاب الأولمبية، مقارنة بكأس العالم - الذي يتضمن مشاركة 12 مدينة وليس مدينة واحدة - إلا أنه من الممكن أن يتبين أنها أكثر إشكالية بكثير من مباريات كرة القدم، حسبما يقول رافائيل ألكاديباني، الأستاذ في "جيتوليو فارغاس فاونديشين"، وهو معهد أكاديمي.

ويضيف: "تماماً في اللحظة التي تبدأ فيها أنظار البرازيل تتحول إلى الألعاب الأولمبية، ستصبح كل الفضائح والتكلفة الكلية لكأس العالم ظاهرة للعيان". ويتابع: "مشاعر الاشمئزاز من المبالغ، التي أنفقت على الملاعب الرياضية بدأت تظهر بالفعل، في وقت يتعين فيه الإنفاق أكثر على الألعاب الأولمبية، ولذلك سيكون الوضع أكثر صعوبة مما هو الآن".

وأعلنت ريو دي جانيرو هذا الأسبوع أن تكلفة الألعاب ستكون أكثر من 36 مليار ريال برازيلي (15.6 مليار دولار)، وهو مبلغ يزيد على تقديرات أولية أشارت إلى 28 مليار ريال برازيلي، بالرغم من أن جزءاً من هذا المبلغ سيدفعه القطاع الخاص. لكن الآفاق الاقتصادية للبرازيل تغيرت بشدة منذ أن فازت البلاد بطلب استضافة الأولمبياد. فبعد أن حققت نمواً اقتصادياً وصل إلى 7.5 في المائة عام 2010، من المتوقع أن تنمو هذه السنة بمعدل يقل عما حققته المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

وقال ألكاديباني: "لم تعد استضافة هذا النوع من الأحداث الضخمة شيئاً معقولاً بعد الآن".

وبالرغم من أنه يتبيّن الآن أن الأحداث الرياضية تتمتع بشعبية أقل بكثير مما كان يأمله حزب العمال البرازيلي الحاكم، إلا أنها أيضاً لا تفعل شيئاً يذكر لتحسين صورة البلاد على المستوى الدولي.

وإلى جانب القلق حول موقع ديودورو - وهو واحد من أربعة مواقع للألعاب الأولمبية، والذي سيستضيف على الأقل سبعة أنواع من الألعاب - هناك أيضاً سيل مستمر من الشكاوى بشأن التلوث في خليج غواندابارا في المدينة، وهو المكان الذي ستجري فيه فعاليات الألعاب المائية. وستكون مياه المجاري والنفايات التي تتدفق مباشرة إلى الخليج من العشوائيات المحيطة به سبباً في تعريض صحة الرياضيين للخطر، وتجعل من الصعب الملاحة في مياهه.

وعرض أعضاء فريق سباق القوارب المائية الألماني في مدونتهم على الإنترنت صوراً تظهر فيها نفايات عائمة، كتب تحتها ملحوظة بعنوان "أهلاً بكم في مكب النفايات ريو دي جانيرو"، كما اشتكوا في مدونتهم من صعوبات واجهوها أثناء تخطيطهم للتيارات المائية السطحية.

والمشكلة الأساسية قديمة في البرازيل، وهي الافتقار إلى ثقافة التخطيط المسبق، الذي تفاقمه متاهات من البيروقراطية والهيكل الحكومي المعقد. مثلاً، لم تعلن الحكومة إلا في العام الماضي عن "خطة تنظيف خليج غواندا بارا" التي تشمل 12 مبادرة لتنظيف 80 في المائة من مياه الخليج في عام 2016.

وبالمثل تم تعيين حكومة مدينة ريو دي جانيرو، لتكون مسؤولة عن مشروع تطوير منطقة ديودورو في تشرين الثاني (نوفمبر)، بعد أخذه من حكومة الولاية، التي أخذته أصلاً من الحكومة الفيدرالية.

وطرحت عطاءات أعمال البناء أخيراً في 17 نيسان (أبريل)، وسوف يبدأ تنفيذها قبل كانون الأول (ديسمبر) - أي بعد خمس سنوات من فوز ريو دي جانيرو بطلب استضافة الأولمبياد. والذي زاد من هذا التأخير هو إضرابات العاملين في حديقة ريو الأولمبية الرئيسية والافتقار للعمالة المؤهلة.

ويقول ألكاديباني: "من المرجح أيضاً أن تستغل شركات البناء هذا العجز في الكفاءة، بحيث تزيد من التأخير على أمل الحصول على أثمان أعلى لتنفيذ العقود الطارئة، ولن يكون لأي منها مصلحة في تسليم المشاريع في وقتها المحدد".

ويقول إدواردو باديلها، الأستاذ في كلية إنسبار للأعمال، على الرغم من كون الصعوبات البرازيلية ساعدت على تقديم تحذير للجنة الأولمبية الدولية والجهاز الحاكم لكرة القدم (فيفا) حول مخاطر محاولاتهما الدخول في الأسواق الناشئة، إلا أن هذا التأخير لم يكن مفاجئاً للبرازيليين أنفسهم.

ويضيف: "الناس هنا يعرفون أن الأشياء لا تنفذ أبداً بالطريقة التي يفترض أن تتم بها، هذه مشكلة هيكلية ليس من السهل إصلاحها. لا يمكن أن تتحول البلدان النامية فجأة إلى بلدان متطورة".

( فايننشال تايمز 22/4/2014 )