اتفاق نفطي «موقت» بين بغداد وإقليم كردستان
اتفقت الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان موقتاً، بعد أشهر من الخلافات حول صلاحية حكومة الإقليم في تصدير النفط مباشرة عبر تركيا، من دون موافقة بغداد، على أن يصدر الإقليم 100 ألف برميل يومياً عبر منظومة خطوط الأنابيب التركية - العراقية بدءاً من الأول من نيسان (أبريل) ومن خلال ميناء جيهان المطل على المتوسط. واعتبر رئيس وزراء الإقليم نشريفان بارزاني الاتفاق «مبادرة حسن نية (...) لتوفير الفرص اللازمة للمساهمة في التصدير عبر منظومة أنابيب النفط العراقية، وتحسين الفرص لإنجاح المفاوضات مع بغداد». وسيسمح الاتفاق بضم الإمدادات من إقليم كردستان إلى الكميات التي تصدرها الحكومة الفيديرالية من الشمال عبر منظومة خطوط الأنابيب التركية - العراقية، وبأن تشرف مؤسسة تسويق النفط العراقية «سومو» على التأكد من حجم الإمدادات المصدرة، والشركات المستوردة، والمعادلات السعرية المعتمدة. كما اتفق، وفق مصادر صحافية، على فتح حساب فرعي لحكومة كردستان لدى «حساب التنمية العراقي» في «بنك الاتحاد الفيديرالي في نيويورك». ويذكر أن الريع النفطي العراقي يودع في هذا الحساب منذ عام 2003، وأن الولايات المتحدة لعبت دوراً مهماً لتسوية هذا الخلاف. وصدر عن البيت الأبيض بيان جاء فيه أن نائب الرئيس جو بايدن اتصل هاتفياً برئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، مؤكداً استعداد حكومته لـ «الاستمرار في الوساطة مع جميع الأطراف».
تنبع الخلافات بين بغداد وأربيل من تفسير البنود الغامضة في دستور 2005. فالأولى تعتبر أنها المسؤولة الرئيسية عن الصناعة البترولية في البلاد، بالتشاور مع المحافظات والأقاليم النفطية، بينما يختلف كلياً تصور حكومة كردستان، إذ تعتقد أن لديها الصلاحيات الكاملة لوحدها في تطوير مواردها البترولية وفق ما تتطلبه مصالحها، من دون الحاجة إلى العودة لبغداد. وقد رفضت بغداد هذا التفسير طوال السنوات الماضية، واستمرت الخلافات بين الطرفين وتوسعت، على رغم كون الكتلة الكردية جزءاً أساسياً من القوى السياسية التي استلمت الحكم بعد الاحتلال. وبقيت الخلافات وردود الفعل السلبية بين الطرفين محدودة إما بمنع الشركات النفطية الدولية العاملة في الإقليم من العمل في بقية أنحاء العراق، أو بتبادل الاتهامات بين الطرفين عن أن بغداد لا تحول لحكومة الإقليم الأموال اللازمة، أو أن الإقليم لا ينفذ تعهداته بتزويد الحكومة الفيديرالية بالإمدادات النفطية التي وعد بتسليمها، وانعكس على العلاقات السياسية.
نشب أخيراً خلاف من نوع جديد، يعتبر تصاعدياً في سلسلة الخلافات بين الطرفين. فقد قررت حكومة كردستان البدء بتصدير النفط عبر منظومة خطوط الأنابيب التركية - العراقية، بدلاً من الاكتفاء بتهريبه إلى تركيا، كما في السابق. وشيدت خط أنابيب من حقولها إلى منظومة الأنابيب التركية - العراقية داخل تركيا. وتم شحن حوالى مليون برميل منذ انتهاء تشييد الخط في الأسابيع الأولى من السنة، وتخزين النفط في مستودعات ميناء جيهان. لكن، لم يبدأ التصدير حتى الآن، لأن الحكومة كانت اتفقت مع كردستان على تشييد الخط والسماح بالتصدير. كما اتفقت أنقرة مع بغداد على أنها لن تسمح بأية صادرات للنفط العراقي من دون موافقة بغداد التي تعتبر الموضوع سيادياً ويناقض دستورها. وتفاوضت أنقرة مع الطرفين العراقيين، كل على حدة، من أجل الوصول إلى حل وسط وردم الهوة. ولم تفلح في ذلك في بادئ الأمر، ثم بدأت الوساطة الأميركية.
لماذا الاتفاق الآن؟ تفاقمت الصعوبات والخلافات ما بين أربيل وبغداد إلى درجة أنها أدّت إلى ضغوط داخلية على كل منهما. فالشركات النفطية العاملة في إقليم كردستان ضغطت على الحكومة في أربيل لإيجاد منفذ لتصريف إنتاجها، ما شكل سبباً رئيسياً لتشييد خط الأنابيب المرتبط بالمنظومة التركية - العراقية، إضافة إلى محاولة حكومة الإقليم التخلص من ضغوط بغداد عليها. لكن تخزين النفط في ميناء جيهان من دون تصدير انعكس سلباً على تطلعات الشركات والوعود التي أعطيت لها ببدء التصدير خلال الربع الأول من هذا العام. وأدت محاولات الكتلة الكردستانية في مجلس النواب عرقلة المناقشات والتصويت على الموازنة، إلى رد فعل بغداد بحجب تحويل الأموال إلى الإقليم، ما أدى إلى توقف المعاشات. وطالب حلفاء الكتلة الكردستانية الزعماء الأكراد بالوصول إلى حل لتمرير موازنة الدولة. أما بالنسبة لرئيس الوزراء نوري المالكي، فقد شكلت الانتخابات النيابية التي من المفترض حصولها في نهاية نيسان، أولوية في جدول أعماله، بخاصة في هذه الفترة حيث خسر حزب الدعوة الانتخابات المحلية لمصلحة أحزاب شيعية أخرى بقيادة عمار الحكيم أو مقتدى الصدر، ناهيك عن المشاكل التي يواجهها مع أهل السنّة في العراق.
ليس معروفاً إلى متى سيستمر العمل بهذا الاتفاق «الموقت»، وهل سيواجه مصير الاتفاقات النفطية السابقة. فالتجارب الماضية تظهر أنه كلما توصل الطرفان إلى حل، فهما لا يلبثان أن يخلا بتعهداتهما عند مواجهة بنود صعبة لم يتمكنا من حلها، فينهيان اجتماعاتهما ليعاوداها بعد فترة. وواضح أن ملف النفط يضم بنوداً خلافية أهمها، الموافقة على قانون النفط والغاز، العلاقات مع شركات النفط العالمية، ومن له حق التفاوض والتعاقد، تحديد طبيعة عقود الاستكشاف والإنتاج كي لا تستغل الشركات الدولية الخلافات الحالية لمصلحتها على حساب مصلحة الدولة، وأخيراً، هل حق تصدير النفط والغاز سيادي للحكومة الفيديرالية، أم يحق للمحافظات والأقاليم التصدير مباشرة؟
يذكر أن بغداد تدعي أن طاقة الإقليم التصديرية الحالية هي حوالى 500 ألف برميل يومياً، بينما تدعي حكومة الإقليم أنها لا تتعدى 300 ألف برميل يومياً. فهل ستتغاضى بغداد عن تصدير الكميات الإضافية المتوافرة للإقليم؟ وما هو مصير الاتفاق الحالي في حال تفاقم الخلافات أثناء المفاوضات خلال الأسابيع المقبلة؟ من المتوقع العمل بهذا الاتفاق خلال الأسابيع المقبلة، إلى نهاية الانتخابات الموعودة، ثم الولوج في نفق مظلم ثانية.
( الحياة 31/3/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews