أوباما في الرياض
لماذا تهجرون حلفاءكم؟’ قال غاضبا فيصل عباس، محرر القناة الانجليزية لشبكة ‘العربية’ السعودية في مقال رأي نشر في الموقع بالعربية. و ‘انتم’ قصد بها الامريكيين، والاصح، الرئيس براك اوباما الذي يصل اليوم في زيارة رئاسية الى السعودية.
وتنضم الى شكوى عباس قائمة طويلة من الاخفاقات السياسية التي برأي الكاتب الذي يعكس المزاج في البلاط الملكي تميز فترة ولاية اوباما. الاساسي والأهم فيها هو الاتفاق النووي الذي وقع مع ايران في شهر تشرين الثاني والمفاوضات للاتفاق النهائي معها. ‘هل نسيت واشنطن التعاون الوثيق بين السعودية والولايات المتحدة في الحرب ضد الارهاب؟ هل نسيت أن ايران هي التي ضعضعت الاستقرار في العراق بعد اسقاط نظام صدام حسين؟ انها هي التي تهز لبنان والبحرين وانها تدعم حزب الله وتحتل ثلاث جزر في الخليج التي تعود الى اتحاد الامارات؟… الاستراتيجية الامريكية التي تغض النظر عن كل هذا فقط كي تتفاوض على طموحات ايران النووية تثير القلق’.
بنيامين نتنياهو ما كان يمكنه أن يكتب مقالا لاذعا أكثر. ولكن قائمة عباس لا تتوقف عند ايران. فهو يذكر اوباما بتراجعه في اللحظة الاخيرة عن الهجوم في سوريا بسبب استخدامها السلاح الكيميائي ودعم الادارة الامريكية ‘ظاهرا’، كما يشدد الكاتب، للاخوان المسلمين في مصر ‘رغم انهم يعتبرون منظمة ارهابية’. ومع أن عباس يشير في صالح اوباما الى القرار باغلاق السفارة السورية في الولايات المتحدة وطرد الدبلوماسيين ولكن ما هذه مقارنة بالسياسة الجارفة التي تعتبر في نظر السعودية كخيانة تاريخية للحليف.
الاستقبال الغاضب والمرير هذا يملي النبرة في زيارة الرئيس التي تقررت الشهر الماضي، كجزء من سياسة البيت الابيض لتهدئة روع المملكة. حاجة باتت حرجة أكثر فأكثر بعد أن هدد رئيس المخابرات السعودية، بندر بن سلطان، في تشرين الاول الماضي من أن المفاوضات مع ايران ستحدث انعطافة جوهرية في العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، والامير تركي الفيصل من المؤثرين في البلاط الملكي والذي كان رئيس المخابرات قبل عمليات 11 ايلول وصف سياسة اوباما بـ ‘المؤسفة’. ورغم أنه في الماضي لم تتردد السعودية في الانتقاد العلني للسياسة الامريكية في الشرق الاوسط، كانت التصريحات بشكل عام مجاملة اكثر وغامضة أكثر بكثير. اما الان فيبدو أن السعودية قررت أن توضح لواشنطن من هو رب البيت في المنطقة وأن تتقدم اليها بسند التعهد لتسديده. بمعنى ‘إما ايران أو السعودية’.
هذا ليس انذارا بل وليس تحديا متبادلا بين المملكة وواشنطن. فالعلاقات بين الدولتين ممتازة. فالولايات المتحدة صدرت في السنة الماضي للسعودية بضائع وخدمات بحجم نحو 119 مليار دولار واستوردت أساسا النفط بحجم نحو 52 مليار دولار. نحو 15 في المئة من استيراد النفط الامريكي يأتي من هذه الدولة. قبل ثلاث سنوات وقع اتفاق لبيع 84 طائرة اف 15 بمبلغ 29.5 مليار دولار واتفاق آخر لبيع طائرات هيركوليز وتكنولوجيا عسكرية بحجم نحو 18 مليار دولار. وترسخ هذه الاتفاقات علاقات بعيدة المدى بين الدولتين تنضم الى تاريخ طويل من التحالف العميق، وفي حالات عديدة الشخصي، بين ملوك السعودية والرؤساء الامريكيي لدرجة أنهم يكادون يطمسون دور السعوديين في عمليات 11 ايلول.
ولكن الثورات في الدول العربية، الحرب في سوريا، وبالاساس التغيير الذي يلوح في مكانة ايران من دولة منبوذة الى دولة يمكن عقد الصفقات معها استوجبت من المملكة تحطيم الاسيجة والدبلوماسية السرية التي ميزت نشاطها الدولي والعربي والانتقال الى هجوم علني وفظ. فقد وقفت الى جانب الجيش السوري الحر الذي تموله (الى جانب منظمات اسلامية ليست متفرعة عن القاعدة)؛ وقفت في رأس الحملة العربية لتزويد الثوار بالسلاح وطرد سوريا من الجامعة العربية؛ اوضحت بشكل لا لبس فيه بانها تؤيد النظام العسكري الذي عزل مرسي بل وتمنح مصر مليارات الدولارات؛ وتستثمر الكثير من الاموال في افغانستان والباكستان كوزن مضاد لمساعي النفوذ الايرانية؛ وفي خطوة غير مسبوقة احدثت قطيعة سياسية بين جزءا من دول الخليج (البحرين، اتحاد الامارات وهي نفسها) وبين قطر، على خلفية دعم الاخيرة للاخوان المسلمين وبسبب علاقاتها الوثيقة مع ايران. في قطر، بالمناسبة، وجد بعض من القواعد الامريكية الاهم في الشرق الاوسط، وفيها القيادات المتقدمة لقيادة المنطقة الوسطى الامريكية وقاعدة جو متقدمة تضم مطارا عسكريا. وعندما جس الامريكيون النبض هذا الاسبوع في محاولة لفحص امكانية التوسط بين السعودية وقطر أجابوهم علينا بان ‘هذا موضوع سعودي داخلي وحذار على واشنطن التدخل’، على حد قول وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل.
ستحاول السعودية أن تنتزع من اوباما سياسة مصممة وأكثر صراحة من تلك التي تتلوى حتى الان. فالعائلة الملكية تعترف بان المفاوضات مع ايران لا يمكنها أن توقفها ولهذا فانها ستطلب ضمانات امريكية لامنها وأمن جيرانها في حالة فشل المفاوضات.
أما واشنطن من جهتها فستحاول تهدئة التوتر بين السعودية وايران، واوباما كفيل بان يشجع الملك عبدالله على استقبال الرئيس حسن روحاني في زيارة رسمية.
وفي نفس الوقت سيطلب الملك السعودي تغيير سياسة الادارة تجاه مصر، وتحرير المساعدات التي توقفت في اعقاب استيلاء الجيش على الحكم والتأييد الكامل والعلني لنظام السيسي حتى قبل الانتخابات. فاعلان السيسي أول امس عن استقالته من منصب وزير الدفاع والاستعدادات للانتخابات كفيلة بان تسهل على الادارة الامريكية التي عارضت فرض العقوبات على مصر ولكنها اضطرت الى الخضوع لضغط الكونغرس في العمل على تشريع الحكم المؤقت حتى الانتخابات.
سوريا هي قصة أصعب. على خلفية الازمة في اوكرانيا والعقوبات الامريكية على روسيا تبدد حاليا الاحتمال بالتعاون الدبلوماسي لحل الحرب في سوريا. وستطلب السعودية من اوباما السماح بتوريد سلاح نوعي للثوار يتجاوز الارساليات الاخيرة التي تضمنت صواريخ مضادة للدبابات وصواريخ كتف من أجل تحقيق الحسم العسكري. وتفضل واشنطن سياسة الغمزات والتفاهمات السياسية التي تسمح بنقل السلاح للثوار دون الاعتراف بذلك، ولكن السعودية تسعى الى سياسة كفاحية علنية، تقف ضد السياسة الكفاحية الايرانية في سوريا والتي تجد تعبيرها في التدخل العسكري لحزب الله ومقاتلي كتائب القدس من الحرس الثوري.
اذا ما تبقى وقت فقد يذكر النزاع الاسرائيلي الفلسطيني في عدة لحظات عابرة في لقاء القمة في السعودية. فنصيب السعودية في مساعي السلام قدمته هذا الاسبوع المملكة عندما رفضت في قمة الجامعة العربية المخففة والممزقة الدعوات لسحب المبادرة العربية التي هي في اصلها مبادرة سعودية. فقد انضم مندوب السعودية الى القمة، ولي العهد المريض والمنهك، الامير سلمان ابن الـ 89 الى المعارضة الجارفة للاعتراف باسرائيل كدولة يهودية مما منح اسنادا كاملا لموقف محمود عباس، ولكن المبادرة العربية بقيت على حالها.
ان زيارة اوباما الى السعودية، التي حلت محل مصر بصفتها الدولة المتصدرة في الشرق الاوسط، أو الادق استبدلت طريقة عملها السياسي من سرية الى علنية من شأنها أن تكون أيضا اللقاء الاخير مع الملك عبدالله الذي سيحتفل هذه السنة بعيد ميلاده التسعين.
الملك المريض غير القادر على الوقوف والذي يغفو في اللقاءات وان كان يواصل تحديد السياسة، الا ان صراعات الخلافة تجري منذ الان بصوت عال في بلاطه. ليس واضحا بعد من سيخلفه. هل سيكون هذا الامير مقرن ابن السبعين، الابن الاخير للملك بن سعود، والذي عين قبل سنة نائبا ثانيا لرئيس الوزراء، المنصب الذي يعتبر قفزة الى الملوكية (وذلك لان ولي العهد سلمان مريض). أم سيكون هذا هو الامير محمد بن نايف الذي عين في منصب وزير الداخلية الهام.
عبدالله، حسب المرسوم الذي نشره بنفسه، سيكون الملك الاخير الذي يعين خليفته أما خليفة خليفته فسيعينه مجلس عائلي يضم 35 شخصا. هذا التغيير عندما سيقع لن يؤثر اغلب الظن على شبكة العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، ولكنه كفيل بان يحدث تغييرات في السياسة الداخلية، ولا سيما في مجال حقوق الانسان، الفقر والموقف من الاقلية الشيعية وهي المواضيع ذات أهمية هائلة لاستقرار المملكة.
( هآرتس 29/3/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews