إرهاق روسيا سياسيا واقتصاديا أفضل عقاب لبوتين
لم أكُن من أكبر مؤيدي المجلس الأوروبي في الأعوام القليلة الماضية، لا سيما بسبب استجابته الكارثية لأزمة السندات في منطقة اليورو. لكن زعماء الاتحاد الأوروبي على حق في استجابتهم لعدوان الرئيس فلاديمير بوتين على شبه جزيرة القرم.
نحن لسنا في وضع مثالي. كان ينبغي على بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ألا تجعل نفسها تعتمد كثيراً على الغاز الروسي. لقد افتقرت برامج الشراكة الشرقية في الاتحاد إلى التماسك الاستراتيجي، وفي حالة أوكرانيا ربما تكون قد أسهمت في الأزمة. والاتحاد الأوروبي يدفع ثمناً الآن مقابل ذلك.
لكن انطلاقاً من المكان الذي نحن فيه اليوم، فإن قرار رؤساء الحكومات في قمة الأسبوع الماضي حازم، ومستهدِف، ومنضبط. عمل القرار على تمديد قائمة الأفراد المستهدفين لكن، الأهم من ذلك، أنه أعطى التزاماً موثوقاً بأن الاتحاد الأوروبي سيذهب أبعد من ذلك عند الحاجة. وكان زعماء الاتحاد على حق أيضاً في مقاومة عقوبات اقتصادية شاملة - في الوقت الراهن.
وهناك أربعة أسباب لهذه المقاومة. الأول، أنها من المرجح أكثر أن تعطي نتائج عكسية بدلاً من أن تحقق النجاح. وأسوأ شيء يمكن أن يفعله الاتحاد الأوروبي الآن سيكون إثارة رد فعل قد لا يستطيع تحمله على نحو مستدام. نعم الأوروبيون متحدون فعلاً في غضبهم، لكن ردة الفعل المبالغ فيها اليوم ربما تضع تضامنهم في خطر غداً.
صحيح أن العقوبات ستُلحق الضرر بروسيا في المجمل أكثر من الاتحاد الأوروبي - لكن هذا لا يهم كثيراً إذا تبيّن أن روسيا هي الطرف الأكثر متانة. وما من شك في أن بوتين سيحاول تحريض الدول الأوروبية ضد بعضها، مُدركاً تماماً أن في مثل هذه القضايا يقوم المجلس الأوروبي باتخاذ القرار على أساس الإجماع. فهل سيوافق الألمان والإيطاليون على ترشيد الطاقة، إذا تبيّن أن فصل الشتاء المقبل، على عكس هذا الشتاء، سيكون شديداً؟ هل ستستمر الحكومة البريطانية، بسعادة، في تحويل الأموال الروسية من الحي المالي في لندن؟ هل يرغب الفرنسيون في استبعاد أنفسهم عن عقود الدفاع الروسي إلى الأبد؟
السبب الثاني هو أن العقوبات الشاملة اليوم قد تُعطي نتائج عكسية بصورة أكثر خطورة بكثير. فهي ربما تعمل على تسريع عدم الاستقرار الاقتصادي الإقليمي، من أوكرانيا جنوباً إلى جورجيا وأرمينيا وأذربيجان شمالاً، إلى دول البلطيق. وأي سياسات لتهدئة الأزمة يجب أن تبدأ مع حل المشكلة الفعلية المتمثلة في زعزعة الاستقرار السياسي والاقتصادي في أوكرانيا. وإذا كان اقتصاد تلك البلاد سينهار، فإن احتمال التدخل الروسي في أوكرانيا الشرقية سيرتفع بشكل غير متناسب.
ثالثاً، علينا ألا نقلل من تقدير تأثير العقوبات التي اتُخذت بالفعل. فقد قامت الإدارة الأمريكية على نحو فعّال بقطع بنك روسيا عن الأسواق المالية العالمية. ومع كون الدولار واليورو من أكبر عملات التعاملات التجارية، فيُمكن للغرب تحقيق عدم استقرار مالي في روسيا بسرعة هائلة.
والسبب الرابع لمقاومة عقوبات شاملة الآن هو أن الاتحاد الأوروبي يتطلب مجموعة أدوات لاستجابات السياسة التي يمكن تنفيذها بمرونة تبعاً للتطورات. إن ضم شبه جزيرة القرم وخطاب بوتين الحاد في مجلس الدوما يمكن أن يستحضرا صوراً لعملية ضم النمسا عام 1938 والدمج اللاحق لمقاطعة السوديت مع الرايخ الألماني. لكن الحذر العام من المقارنات مع النازية يبقى قائما، ذلك أن ضم شبه جزيرة القرم خرق للقانون الدولي لا ينبغي التغاضي عنه، لكنه ليس البداية الحتمية للحرب العالمية الثالثة.
وفي أفضل الحالات، يُمكن أن يهدأ الوضع. وحتى عندها، سيُبقي الاتحاد الأوروبي على عقوباته، كما سيستمر العزل الدبلوماسي لروسيا على الصعيد الاقتصادي العالمي.
ولن يكون هناك المزيد من القمم الثنائية بين روسيا وأعضاء الاتحاد الأوروبي. ومجموعة البلدان الثمانية الكبيرة أصبحت الآن مجموعة السبع؛ وسواء كان التغيير رسمياً أم لا فهذا لا علاقة له بالموضوع. كما ستبقى عضوية روسيا في وكالة الطاقة الدولية ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مُعلّقة. ربما لا شيء من هذا يكون مهماً لبوتين الآن، لكن قد يكون مهماً للروس على المدى البعيد.
وفي حال تدهور الوضع، بإمكان الاتحاد الأوروبي التوجه نحو عقوبات اقتصادية أوسع، وسيكون هذا اختباراً لعزم الاتحاد. ويمكن أن يتضمن ذلك تجميد الأصول الروسية في الاتحاد الأوروبي وقطع البنوك الروسية عن أسواق الدولار واليورو. وبما أن أعضاء الاتحاد الأوروبي منكشفون على روسيا بطرق مختلفة، فمن الأفضل أن يتم ذلك تدريجياً.
إن أي استجابة للأزمة تحتاج إلى إدراك أن أمامنا أوضاعا ستدوم لفترة طويلة. فالوقت إلى جانب الاتحاد الأوروبي. وأفضل سياسة هي إرهاق بوتين سياسياً واقتصادياً من خلال عقوبات مستهدِفة ومتغيّرة بحيث تستمر حتى يكون هناك اتفاق سياسي واسع النطاق يضمن مصالح جميع الأطراف المعنية. إن ثلاثة أعوام من العقوبات المعتدلة، لكن المستمرة، ستكون أكثر تدميراً من ثلاثة أشهر من العقوبات المكثفة.
لكنّ هناك شيئا آخر يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى القيام به. عليه إصلاح مشكلاته الخاصة، خصوصا اعتماده على طاقة ونقود روسيا، وسياسته تجاه الدول الشرقية المجاورة في الوقت الذي يتلاشى فيه زخم توسيع الاتحاد الأوروبي.
والفكرة الذكية هنا هي عدم تكرار الأخطاء التي اقترفها زعماء الاتحاد الأوروبي في أزمة منطقة اليورو، مثل الاعتراف لفترة وجيزة بالحاجة الماسة إلى اتخاذ إجراءات، ومن ثم نسيان كل الموضوع في اللحظة التي اختفت فيها الأزمة عن الصفحات الأولى من الصحف.
( فايننشال تايمز 27/3/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews