مخيم اليرموك تاريخ يعيد نفسه
من المؤسف أن نجد مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في ضواحي دمشق الذي يدفع الثمن مجددا من أرواح أبنائه وأطفاله يحمل اسم النهر الخالد، والمعركة الفاصلة التي انطلقت الفتوحات الإسلامية بعدها لتجوب خيل العدل والمحبة والتسامح أصقاع العالم، لا للقتل والدمار، ولكن لنشر رسالة الإسلام وتنوير البشر وإخراجهم من عبادة البشر إلى التفكير والإيمان برب البشر الذي يحرم قتل الإنسان بلا وجه حق كما يحدث في ذلك المخيم مكررا مأساة الفلسطينيين في غير مكان على الأرض العربية.
في عشية الذكرى الثالثة لاندلاع الثورة في سوريا، يبرز التقرير الذي أطلقته منظمة العفو الدولية عن الوضع المأساوي في المخيم المحاصر، ويتحدث عن مشاهد وروايات وحقائق لا يندى لها الجبين الشريف فحسب بل تصل إلى درجة الجرائم ضد الإنسانية، في ظل حرب لا طائلة منها، ولا نهاية تسرّ أحدا، في ظل تعنت النظام ودعمه من روسيا القوية وإيران العنيدة، ودخول جحافل مقاتلين لتنظيمات تقاتل بالمعية ضد النظام أو تتقاتل ضد بعضها على حساب السكان الأبرياء، ما يعيد التاريخ رأسا على عقب ليذكرنا بالجرائم ضد المخيمات الفلسطينية أبان الحرب الأهلية، خصوصا مخيم تل الزعتر.
فحسب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، فيليب لوثر فإن الحياة في مخيم اليرموك لا تطاق بالنسبة للمدنيين المعدمين الذين وجدوا أنفسهم ضحايا للتجويع وعالقين في دوامة تهوي بهم نحو استمرار المعاناة ودون وسيلة متوفرة تتيح لهم الهرب، ويسلط تقرير المنظمة الضوء على تكرار شن الهجمات على المخيم، خصوصا على المباني المدنية كالمدارس والمستشفيات والمساجد، كما جرى استهداف الأطباء والعاملين في مجال تقديم الخدمات الطبية أيضا.
ووصف التقرير شن هجمات عشوائية على مناطق المدنيين وإيقاع وفيات وإصابات في صفوفهم بأنها جريمة حرب، وإن تكرار استهداف منطقة مكتظة بالسكان تنعدم فيها سبل الفرار، يبرهن على موقف وحشي عديم الشفقة واستخفافا صارخا بأبسط المبادئ الأساسية الواردة في القانون الإنساني الدولي.'
لذلك فإن حصار مخيم اليرموك والدمار الذي حل به وقتل وتجويع سكانه يعيد للذاكرة حصار مخيم تل الزعتر شرق بيروت عام 1976 الذي قضى فيه حسب الأرقام المعلنة ما يقارب ستة آلاف فلسطيني بين رجل وإمرأة وطفل، ولعل الرقم أكثر بكثير من ذلك ولكن التعتيم الإعلامي في ذلك الزمن، حيث كانت تلك المجزرة فاتحة للتطاول فيما بعد بسنوات للقضاء على سكان مخيمات صبرا وشاتيلا.
تل الزعتر المخيم والسكان كانا ضحية بريئة للتصفية الحسابات داخل الأراضي اللبنانية بين قوى الشر التي عاثت بذلك البلد، وإذا كانت قوات الكتائب والقوات الموالية للنظام السوري آنذاك قد أشفت غليل قادة الكتائب وطوائفهم ومجرمي الجيش فإن خيانة بعض القيادات الفلسطينية التي سلمت المخيم لحتفه هي أكبر من حقد ملوك الطوائف القتالية في لبنان، فقد صمت ياسر عرفات وخرج من المخيم هو ومجموعاته بعد أن ألقى خطابا يمجد فيه المخيم وأهله ويطلب منهم الصمود، فيما هو بصمته على الجريمة ضد أبناء شعبه كان يغازل الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد وقيادته طمعا منه بأن يفوز بموقع متقدم على الساحة اللبنانية ممثلا للفلسطينيين كطرف مسلح قوي.
اليوم في مخيم اليرموك حيث يتعرض السكان هناك إلى أقسى أنواع الحصار والقتل والتجويع، يبرز السؤال عن مسؤولية قوات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة الموالية للنظام السوري في جلب المصيبة لأهل ذلك المخيم في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، حيث تبرع قائد القوات أحمد جبريل وصحبه للقتال إلى جانب قوات النظام، كما حدث في سبعينات القرن الماضي أثنا الحرب الأهلية في لبنان، حيث كان يقصف المخيمات بنا على أوامر قادة الجيش السوري.
هذه التصرفات الرعناء من قبل جبريل دفعت بخصوم النظام إلى احتلال المخيم مجددا لإخضاعه فهو أحد الجيوب الإستراتيجية في ضواحي دمشق، فرغم الهدنة التي أبرمت سابقا، فقد تورطت القوات في مناوشات جديدة أعادت الحرب إلى داخل المخيم المهدّم، والذي تحول إلى مدينة أشباح لا ماء فيها ولا غذاء ولا كهرباء إلا بالحد الأدنى، وتدفع الأسر البريئة وأطفالها ونسائها الثمن الباهظ لجنون القيادات التي نصبت نفسها وصية على الشعوب ولم تلب لهم حاجة سوى الاستئساد عليهم، وتأليب أهل الأرض عليهم.
يجب على المجتمع الدولي الغربي تحديدا الذي يقدم نفسه على أنه سيد الحرية والإنسانية والوصي على حرمات الإنسانية وتخليص البشر من قوى الشر، أن يتحرك سريعا لتخليص الشعب السوري عموما والفلسطينيين في مخيم اليرموك بأي طريقة، وهذا أجدى وأولى من التحرك الغربي للاصطفاف بقوة القضية الأوكرانية وتهديد روسيا، أم أن الدم العربي سيبقى رخيصا في المخيم أو في أي مكان.
( الشرق 11/3/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews