السفينة الإيرانية ليست جبل الهيكل
كم مرة يمكن اظهار كيس اسمنت رمادي كتب فيه صُنع في ايران الى أن يصاب العقل بالبله؟ وكم من المدح يمكن أن تتوج به عملية بحرية جريئة الى أن تُطمس المعرفة؟ وكم مرة يمكن الاستماع الى قائد سلاح البحرية وهو يقول في جهاز الاتصال أمام عدسات التصوير بالطبع: ‘يا رئيس هيئة الاركان، السفينة في أيدينا’ وكأن الحديث عن ‘جبل الهيكل في أيدينا’ لموتي غور الى أن يصبح هذا المشهد أمرا سخيفا؟.
إن الحفل البهيج ما زال في بدايته فقط. فقد كتبت هذه السطور أمس السبت قبل أن تدخل سفينة ‘كلوز سي’ الى ميناء ايلات مع اصوات الابتهاج بالنصر. وما زالت الذروة أمامنا: فغدا ستُبسط الأغطية العسكرية وتُعرض الغنيمة فوقها ليراها الشعب المتشوق والعالم غير المهتم. ولن يضيع قادة الدولة فرص التصوير البطولي ولن يضيع المحللون فرصة أن يُبينوا ما هو الشر وما هو الخير. أجل إنه سبب يدعو الى الاحتفال فهذه عملية ناجعة بلا مصابين عمل فيها كل شيء على ما يرام ولم يغب عنها سوى التناسب وكأنه غاص في أعماق البحر الاحمر.
إن اسرائيل التي باعت وتبيع كل نظام ظلامي منبوذ سلاحا تقريبا، تُبين للعالم أنه هكذا يعمل نظام الشر (ايران). واسرائيل المسلحة بكل أنواع السلاح في العالم تقريبا لن تُمكّن الآخرين من أن يتسلحوا ولو بشيء قليل مما يوجد عندها (ماذا كان سيحدث لو أن جهة ما استولت على سفينة سلاح كانت متجهة الى اسرائيل؟). ‘لسنا قراصنة، نحن جنود جيش الدفاع الاسرائيلي’، صرخ في نهاية الاسبوع عنوان صحفي سخيف وورد في ثان: ‘قواتنا في أفضل حالاتها’. هل هذه أفضل أحوال اسرائيل؟ أفهذه أفضل الاحوال الوحيدة؟ نجح الجيش الاسرائيلي في أن يوقف شحنة قذائف صاروخية مرسلة من صنع سوريا ليس من الواضح تماما الى أين كانت تتجه الى حماس أو الجهاد الاسلامي أو الجهاد العالمي أو غزة أو سيناء وربما الى السودان، من يعرف. فالمسار غريب والهدف غير محدد، لكن لماذا نشغل النفس بالصغائر في وقت أصبحت فيه الطقوس العربيدية الوطنية في ذروتها. ولماذا نُفسد الافراح في وقت أصبحت نادرة جدا فيه. لكن دولة تفخر وتتبجح على هذا النحو بانجاز عسكري مهما يكن مدهشا، ليست دولة سوّية. بعد أن توجوا بكل تاج ممكن رؤوس القادة والمحاربين، والاستخبارات وسلاح البحرية واللواءين افيف كوخافي ورام روتبرغ، والوحدة البحرية 13 والوحدة البحرية 7؛ وبعد أن أظهروا لنا مرة بعد اخرى وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان ‘منحنيين في البئر’؛ وبعد أن رأينا المقاتلين المقنعين يستولون على سفينة الشحن، يجوز لنا أن نسأل ما الذي يجري الحديث عنه. من الحسن أنه تم وقف القذائف الصاروخية لأنه ربما نجت نفوس كثيرة بفضل ذلك، لكن هل الحديث عن واقعة مصيرية تغير وجه الدولة؟ إن هذه العملية مهما تكن ناجحة فان الحديث عن عملية تظاهرية وسيكون فيلم قريبا ترمي في الأساس الى خدمة أهداف الدعاية والاعلام والى الطمس على الواقع واخفائه.
ليت اسرائيل كانت تتمدح هذا التمدح بعمليات اخرى كاستقبال طالبي اللجوء من افريقيا أو انقاذ لاجئي مخيم اليرموك مثلا. وتخيلوا ذلك وإن بدا حالما. وكم كان الامر سيكون حسنا لو أن المراسلين العسكريين والجنرالات المحللين وجيش الدعائيين والمداحين الذي جند نفسه مرة اخرى للمهمة بكامل قوته، ناسيا تماما ما هو عمل الصحافة، لو أنه أثار عدة اسئلة ايضا، مثل ما هو الشيء الذي تم احرازه في رحلة اللاشيء لرئيس الوزراء الى الولايات المتحدة سوى التقاط الصور مع ليوناردو دكابريو. والى أين ستتجه اسرائيل بعد أن يتم نسيان المهرجان. وفوق كل شيء، متى سنفعل شيئا ما ايضا كي نجعل حافز مهربي القذائف الصاروخية ومرسليها، عقيما. لكن الحال في اسبارطة كالحال في اسبارطة لأن الانجاز العسكري هو أبو كل الانجازات، والحال في بومبي كالحال في بومبي، فكُل واشرب واختطف سفن السلاح واهرب من الموضوعات المصيرية.
ستستيقظ اسرائيل في الغد على فجر يوم جديد وسيكون رئيس الدولة ورئيس الوزراء والوزراء والجنرالات والسفراء في صورة نصر مع القذائف الصاروخية. لكن هذه الصورة الذاتية هي صورة خداع للنفس وتضليل. فالاسمنت الايراني كان للتغطية على القذائف الصاروخية فصار الجص الاسرائيلي للتغطية على أخطار أكبر كثيرا من كل قذيفة صاروخية ايرانية أو سورية.
( هآرتس 10/3/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews