هكذا تبدّدت آمال الحكومة بعد ليل المشاورات الطويل
على رغم أجواء الانفراج التي سادت ليل الخميس الجمعة بتذليل كل العقبات من أمام ولادة الحكومة، لم تغب هواجس التعطيل عن بال رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تمام سلام اللذين افترقا منتصف الليل بعد لقاء غير معلن، وكل يسكنه هاجس أن شيئاً ما سيطيح فسحة التفاؤل السائدة.
ومبرر ذلك الهاجس أن أي تعطيل للحكومة سيشكل ضربة قاسية لكليهما بعدما استنفدا كل من موقعه وصلاحياته كل الوسائل، حتى احتواء التفاهمات الجانبية المباشرة لـ"تيار المستقبل" و"التيار الوطني الحر"، بهدف تذليل ما كان يعتقد انه العقدة الاخيرة وهو الحصة العونية في الحكومة.
منذ الثامنة صباحاً، بدأت دارة المصيطبة تعج بالصحافيين عقب الاعلان عن توجه سلام إلى بعبدا لتسليم تشكيلته. أما في القصر، فاستدعي الإعلام وأعدت المراسيم والسيَر الذاتية للوزراء.
لم تمض ساعة حتى أعلنت المصيطبة عن إرجاء زيارة بعبدا. كلام مقتضب كان كافياً لتبيان أن هواجس الرئيسين كانت في محلها وأن العقدة الحكومية الجديدة التي تركزت على تمسك "المستقبل" باللواء أشرف ريفي في الداخلية ورفض "حزب الله"، ليست الا الذريعة المكشوفة لقرار سياسي أكبر وأوسع تلتقي عليه قوى 8 و14 آذار ويرمي الى تعطيل التأليف ربطا بتطورات ومعطيات خارجية مستجدة.
شكلت عقدة ريفي مفارقة لافتة، إذ إن التمديد له في قوى الامن أطاح حكومة نجيب ميقاتي، فيما توزيره في الداخلية أطاح حكومة سلام!
التاسعة صباحا، طارت كل الآمال المعقودة على ولادة الحكومة، وطارت معها أي توقعات جديدة باحتمال حلحلة العقدة. فمضى النهار من دون أن يسجل أي تطور أو حركة توحي بأن ثمة أملاً ولو ضئيلا بإمكان إحداث خرق. وإذا كان ثمة من راهن على ما قد تتضمنه كلمة الرئيس سعد الحريري في ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري من إشارات تحدد الوجهة الحكومية المقبلة، فإن خلو تلك الكلمة من أي إشارات الى الاستحقاق الحكومي بدا وكأن هذا الملف ليس الا تفصيلا أمام عنوانين رئيسيين يشغلان زعيم "المستقبل" وهما الحرب السورية والفتنة السنية - الشيعية.
ماذا حصل في ساعات الليل الطويل لتنتهي الآمال بإحباط مقيت؟
منذ ليل الاربعاء - الخميس، تكثفت حركة الاتصالات على خلفية التفاهم الذي انتهى اليه التواصل العوني - الحريري: قبول عون بإسناد الخارجية إلى الوزير جبران باسيل والطاقة إلى وزير من الطاشناق إضافة إلى وزارتي التربية والعمل ( مردة) مقابل عدم ممانعة عون في إسناد الداخلية إلى ريفي.
زار رئيس كتلة "المستقبل" الرئيس فؤاد السنيورة المصيطبة مساء الاربعاء وتناول العشاء الى مائدة سلام قبل أن يتوجه الاخير إلى بعبدا للقاء سليمان.
وتكرر السيناريو ليلة الخميس حيث اجتمع سلام إلى السنيورة لأكثر من ساعتين قبل أن يتوجه الاخير مجددا إلى بعبدا حاملا الصيغة النهائية الى رئيس الجمهورية. وضع الرئيسان اللمسات الاخيرة بعد التعديلات التي طرأت بفعل تسلم باسيل الخارجية ( بعدما كانت الدفاع معقودة للوزير السابق خليل الهراوي من الحصة المارونية للرئيس).
بقي إسم وزير الداخلية عالقا، فيما كان الكلام الليلي بين سليمان وسلام على جمال الجراح، من دون إسقاط خيار ريفي.
غادر سلام بعبدا من دون أن يطمئن سليمان إلى التشكيلة.
مع ساعات الصباح الاولى، تلقى سلام اتصالا تردد انه من مدير مكتب الرئيس الحريري السيد نادر الحريري أو السيد أحمد الحريري أبلغ اليه قرار "المستقبل" التمسك بريفي للداخلية.
في المعلومات، أن كل التنازلات التي قدمها "المستقبل" لعون كانت من أجل الحصول على موافقة على ريفي. وقد برز الاسم بعد استحصال "المستقبل" على قبول عون بالمداورة وتسليم الطاقة الى غير باسيل. لكن سلام كان سبق أن تعهد لفريق الثامن من آذار أن لا أسماء استفزازية في الحقائب الامنية ولا سيما منها الداخلية. وعندما أعيد طرح إسم ريفي عدَل "حزب الله" عن موقفه.
الثامنة صباحاً، تلقى سلام اتصالا من المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين الخليل مستوضحاً صحة المعلومة في شأن ريفي. وعندما أكد الرئيس المكلف ذلك، ابلغ إليه رفض الحزب مستندا على تعهد سلام بعدم وجود أسماء استفزازية، وأقفل الخط.
بادر سلام الى الاتصال برئيس المجلس نبيه بري طالباً اليه التدخل لإقناع الحزب بوجوب القبول بريفي على قاعدة عدم التدخل في أسماء وزراء "المستقبل" كما هو حاصل بالنسبة الى وزيري الحزب اللذين لم تعرف أسماؤهما بعد ( ويمكن أن يكونا استفزازيين للفريق "المستقبلي"!).
بعد استمهال من بري، أعاد الاتصال بسلام ليبلغ اليه ثبات الحزب على موقفه، كاشفا عن استعداده للقيام بمبادرة تقضي بإسناد حقيبة أخرى إلى ريفي غير الداخلية. لكن سلام كان حاسماً في جوابه بأن لا تراجع عن موقف "المستقبل" ما لم يأته خلاف ذلك.
عند هذا الحد توقفت المحركات ولا يتوقع ان تعود الى الدوران أقله ليس قبل عودة بري من سفره.
إذا صح أن 8 آذار لا تريد حكومة، بما أن لديها حكومتها، فماذا عن 14 آذار، وماذا عن الرئيس المكلف؟
طارت الحكومة وعادت الانوار إلى السرايا وعاد ميقاتي الى تصريف الاعمال منها. ولكن إلى متى؟
( النهار 17/2/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews