مسؤولية.. من يحاسب عليها؟

بشهامة الفرسان وجرأة الشجعان يخرج بعض المدربين في أعقاب خسارة أنديتهم أو منتخباتهم ليقولوا أنهم يتحملون المسؤولية كاملة فيما أصاب فريقهم من عطل أفضى إلى الهزيمة ومن أخطاء في التوظيف وفي التحوير التكتيكي وفي إدارة المباراة ما أدى إلى إفلاس المنظومة، هذا إذا جاز الحديث فعلا عن منظومة.
وإذا كان ضروريا إقران المسؤولية بالمحاسبة وفقا للدساتير الكونية، فإن الأمر موجب للمساءلة حتى وإن كنا لا نعتبر ما يعترف به المدربون بعظمة لسانهم إخلالا أو تقصيرا في مباشرة المسؤولية، وطبعا عندما يكون لزاما مساءلة المدربين على أخطائهم التدبيرية يطرح سؤال أهلية من يجب أن يتولوا هذه المساءلة، ونحن أعلم الناس بأن النوادي وحتى الاتحادات العربية لا تتوفر على مؤسسات فنية تأوي الكفاءات التي يكون بمقدورها محاكمة المدربين الذين يعتبرون في عداد الجناة إذا ما أخدنا بالاعتبار أن الاعتراف سيد الأدلة.
وبصرف النظر عن أن هناك من المدربين من يحمل نفسه أمام الرأي العام الرياضي مسؤولية الهزيمة بشكل فولكلوري وأحيانا بهدف حماية اللاعبين وأحيانا كثيرة لاستمالة الجماهير وكسب العطف، فإن هناك ما يقول بأن خللا عميقا موجودا في منظومة العمل وبأن شرخا يعلق بالفريق ولا أحد ينتبه إليه، وكثيرا ما أدى المدربون ثمن هذه الشجاعة المعلنة بأن وضعت رؤوسهم تحت مقصلة الإقالة وأكثر منه أن هناك إتحادات وأندية انفصلت عن مدربين لعدم وضوح الرؤية ولغياب مؤسسة فنية قوية هي ما تقرر الانتداب والانفصال عن هذا المدرب أو ذاك.
نعيب على المدربين الذين يخرجون بتصريحات مدوية بعيد المباريات التي تنتهي بخسارة فرقهم تتهم اللاعبين بالتقصير في أداء الواجبات التكتيكية أو بالخروج كليا عن النص دليلا على غياب الانضباط، ونرى أن في ذلك تحللا فظيعا من المسؤولية المهنية والأخلاقية وغيابا للشجاعة في الاعتراف على النفس بالأخطاء المرتكبة، لطالما أن المدربين هم المسؤولون أولا وأخيرا عن اختياراتهم البشرية وعن طريقة تدبير المباراة تكتيكيا، وأبدا لا ننزع في ذلك إلى أن المدربين مدفوعون باسم الواجب المهني بقطع النظر عن الشجاعة والإقدام في مظهرهما الكاريكاتيري يكونون مطالبين بشرح أوجه الخلل والمواقع التي اختل فيها نظام اللعب لتخصيب الثقافة التكتيكية ولتلبية حاجة استراتيجية يبديها الرأي العام الرياضي، الحاجة إلى المعرفة التي تقود إلى الفهم.
يحدث أن أطابق بين التصريحات التي يصدرها مدربون يقودون أندية ومنتخبات أوروبية وآسيوية وأمريكية وبين التصريحات التي يتبناها مدربون عرب وغير عرب ممن يقودون منتخبات وأندية عربية وأقف على ما يوجد من فوارق في بنية التصريحات، فبينما ينزع المدربون هناك إلى تسمية الأشياء بمسمياتها إحتراما للمتلقي ورضوخا لأحكام المنطق في تفسير وتبرير الظواهر لطالما أن هناك مساءلة غير معلنة، فإن مدربينا نحن يحتمون بكثير من التعابير الفضفاضة للقفز على الحقائق الفنية بل إنهم صنعوا لأنفسهم لغة خشبية لا تزيد الصورة إلا تعتيما، والأدهى من ذلك أن من المدربين من استأنسوا بحكم البيئة التي نشأوا فيها بالجهر بالحقائق الفنية يوم كانوا يمارسون هناك وراء البحار، انقلبوا على أنفسهم واختاروا الضحالة والسطحية في صياغة خطابهم الفني الموجه للاستهلاك الإعلامي عندما باتوا مدربين لأندية ومنتخبات عربية، وقلة من يؤمنون بأن المدرب يجب أن يموت واقفا كالأشجار ثابتا على مبادئه، جهروا بحقائق لطالما هربنا منها مجزوعين وأدوا ثمن تلك الشجاعة في الكشف عن العيوب بأن هجروا إلى أوطانهم برغم كفاءتهم وأهليتهم.
مؤكد أننا نحتاج إلى لغة خطاب جديدة تخرج كرة القدم من محيط يعج بالطابوهات، نحتاج إلى مدربين تقودهم كفاءة الفكر ورجاحة العقل وقوة الشخصية إلى الجهر بالحقائق وتعرية العجز والكشف عن التشوهات، لا إلى مدربين لا يجدون حرجا في تزويق الخطاب وتصدير الوهم وتحمل المسؤولية التي لا يحاسبون عليها من أجل المال.
( استاد الدوحة 11/2/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews