ضرورة المصالحة الفلسطينية وغياب الدور العربي
كانت قضية فلسطين، وهي أكبر كارثة وعار في تاريخنا المعاصر، باحتلال وزرع دولة غربية في الجسم العربي وتهجير أهلها وحرمانهم من أبسط حقوق الإنسان ومآسي مخيماتهم. قامت الثورات العربية والانقلابات الثورية تحت مسمى فلسطين وتحريرها، وكل هذه الشعارات، وتبين فيما بعد أن هذه الدول أضاعت فلسطين وأهلها وعاملت اللاجئين بأسوأ مما يعاملهم خصومهم، فيشعر الفلسطيني بدول الغرب بالمساواة ويشعر في بلاد إخوانه العرب، وهو يحمل ما يسمى بالوثيقة، بالحرمان من أبسط الحقوق وحرمان من التعليم والحقوق البسيطة لهم ولأبنائهم وأسرهم وكأن المطلوب هو دفعهم للهجرة للغرب لإنهاء قضية اللاجئين وإغلاق ملف العودة، وظلت قضية فلسطين قضية في الجامعة العربية دون الوصول للحل ودخلت الدول العربية الثورية حروبا أضاعت بقية فلسطين بما فيها القدس أعز مكان وأقدس قبلة للمسلمين وأصبحت في خطر، وكان الشارع العربي يتعاطف ويضغط لذلك، أما اليوم فلأسف فقد نسي الجميع ذلك ولم يعد المجتمع والشارع العربي يهتم بذلك، لأن الشارع العربي اليوم مشغول بالصراع الليبرالي الإسلامي والسني الشيعي وصراع يزيد والحسين ومعاوية وعلي، وصراعات قبل ألف سنة، وربما يأتي يوم تتصارع على نوح وقومه وأهل السفينة وقوم عاد وداحس والغبراء وعنتر وعبلة وجساس وكليب وحرب البسوس وتتقاتل، ذلك فقد ضاعت عقول العرب يا أمة ضحكت منها الأمم. ودفع الفلسطينيون ثمنا غاليا من قمع ودمار من العرب في أيلول الأسود وتل الزعتر ومجزرة قانا وغيرها، ومازال هذا الشعب يتم طي صفحته بخبث شديد. واليوم نرى التهجير في وادي السبع وحرمانهم من المياه وحصار وتهجير وتدمير البيوت مع صمت عربي ودولي وبناء المستوطنات. وإسرائيل اليوم تعمل بقوة متسارعة والشعب الفلسطيني يتيم لا أب له، لأن القادة الفلسطينيين مشغولون بالصراعات بين السلطة والأحزاب المختلفة والتوجهات، وتخبط بين الجهاد وحماس من جهة والسلطة. وكذلك التيارات اليسارية والانقسامات والقيادات للأسف. وقد بذلت المملكة العربية السعودية جهاداً كبيرا في مسعى مبارك للمصالحة الفلسطينية وهي مشـكورة جـداً ودليل على حرصها على شعب فلسطين منذ عهد الملك عبد العزيز. وقد تحدثت الوثائق الأمريكية عن قوة طرح المسؤولين بالمملكة حول ممارسات إسرائيل والدفاع عن قضية فلسطين ودعم غير محدود للشعب الفلسطيني.
وكانت دول دخلت على هذا الخط بدون الوصول إلى نتائج نتيجة عدم إدراك القيادات الفلسطينية للأبعاد، وسعت إيران لضرب كل تقارب فلسطيني وكذلك دول كسوريا وليبيا وغيرهما والدول الغربية من جهتها ضغطت بكل قوة ... دولة كيري الغامضة التي لا تحمل ورقة قوية، وإسرائيل تتكلم من مركز قوي مستندة إلى ثلاث نقاط، أولاً قوة لوبيها وعناصرها في القرار الأمريكي والغربي، والنقطة الثانية التمزق العربي وانشغال العرب بمشاكل طائفية وعرقية وصراع سلطة وعداوتهم لبعض أكثر من إسرائيل وكذلك خلاف الفلسطينيين وعدم امتلاك قرارهم بأيديهم وهم جزء من الصراع العربي، والنقطة الثالثة قوة التماسك الإسرائيلي بالهوية وضياع الهوية العربية والانتماء والنظر الإسرائيلي للمستقبل وعودة العرب للماضي وليس للماضي المشرق الأفضل للأسف.
واليوم ونحن نرى إعراض الدول وعزوف شباب العصر الحديث عن قضية فلسطين حتى نرى أن مصر الدولة القوية دخلت في صراع مع غزة ولم تعد راعي مصالحة كما كانت أيام مبارك وعمر سليمان. والهدف من ذلك هو قبول حماس وغيرها من قوى المقاومة بالصلح مع إسرائيل وتقديم التنازلات والقبول بالشرط الإسرائيلي أو التنازل عن حق الدولة وتغليب طرف على طرف والدفع بهم إلى التطرف وانتهاء دور مصر في هذا الملف وإنهاء دورها القوي والعربي وانحيازها لعناصر فلسطينية لا تريد المصالحة.
وليس أمام الفلسطينيين سوى المصالحة لصالح الشعب الفلسطيني، فعلى السلطة أن تتحمل المسؤولية كقيادة وتمتاز بالمرونة وفتح صفحة مشرقة من العفو والتسامح وأن قوتها بالوحدة الوطنية. وعلى حماس أن تدرك أن إيران هي عدو للشعب الفلسطيني وأن هدفها تمزيق الشعب الفلسطيني وتتذكر ما صنعه هؤلاء في تل الزعتر وغيره وما تعمله بسوريا والعراق، وأن تصلح وترمم علاقاتها العربية، فلا خيار لها غير ذلك. وعلى دول مجلس التعاون ألا تيأس من المصالحة، فهي لا تحل بجلسة ولقاء واحد، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي هي الراعية للمصالحة الفلسطينية أن تدعو إلى لقاء آخر وبمشاركة عربية وإسلامية برعايتها وتضغط للمصالحة وآلية لذلك وتتم مناقشة كافة الجوانب بما فيها أوضاع اللاجئين والقدس وأن التاريخ سيسجل لها هذه الصفحة المشرقة، فهي الأمل بعد الله، للأمة المسلمة وسيكتب الله ذلك في ميزان أعمالها، ولا يستطيع أن ينكر أحد مواقفها الصادقة لهذه القضية ودعمها ودعم أشقائها في دول مجلس التعاون الذين يجب أن ينسقوا معها وألا يسمحوا لأحد غريب وطرف له أجندة شيطانية، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب والدمار لشعب فلسطين، أن يتدخل بقضايانا.
( الشرق 11/2/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews