تونس تواجه تحديات ارتفاع معدلات البطالة
ما زال جهاد الصفدي، البائع التونسي المتجول، يحلم بالذهاب إلى إيطاليا، حيث قضى هناك فترة قصيرة كمهاجر غير شرعي في 2011. كان ذلك بعد أن عبر البحر المتوسط على متن قارب للمهربين، وتشغيله عاملاً زراعياً، قبل ترحيله من قبل السلطات الإيطالية إلى تونس.
قال الشاب البالغ من العمر 22 عاماً الذي يبيع أدوات زينة ملونة للشعر في ركن على شارع شارل ديجول، الواقع في وسط مدينة تونس: "سأعود ثانية إن استطعت، لا يوجد عمل هنا. هذه تجارة جيدة، ولكن ما أن تُوقف العربة لتبدأ البيع حتى تأتي الشرطة. إنهم يقبضون على من يستطيعون القبض عليه، والبقية منا لا مجال أمامهم سوى الفرار".
كانت نسبة البطالة العالية، التي بلغت حسب تقديرات صندوق النقد الدولي 16.7 في المائة في 2013، التي يعتقد أنها أكبر من ذلك بكثير بين الشباب، واحدة من أهم الأسباب المحركة للثورة التي نشبت في 2011، وما زالت تشكل أكبر تحد لحكومة مهدي جمعة، رئيس الوزراء الذي حلف اليمين الدستورية الشهر الماضي، كجزء من تسوية سياسية بين الأحزاب العلمانية والإسلامية.
زاد التوافق الرئيسي بين الأحزاب السياسية، وإجماع هذه الأحزاب على الدستور بأغلبية ساحقة عبر الطيف السياسي، من الآمال بتحقيق الاستقرار السياسي الذي يمكن أن يساعد على جلب مزيد من الاستثمارات، وتقوية الاقتصاد وتقليل البطالة.
قال نور الدين ذكري، مدير وكالة تشجيع الاستثمارات الأجنبية، وهي مؤسسة حكومية "نحن متفائلون جداً، لأن الأجندة السياسية أصبحت أوضح من قبل، ولكن المهم بالنسبة لتونس هو الإجماع وإثبات أن من الممكن أن نعيش معاً، لقد تجاوزنا المرحلة الصعبة".
تحتاج تونس إلى توفير نحو 100 ألف وظيفة في السنة، للوفاء بالطلب الناشئ عن الداخلين الجدد إلى سوق العمل. وحسبما يقوله ذكري، فإنه في مرحلة ما قبل الثورة، كان الاستثمار المباشر الأجنبي، ومعظمه من أوروبا، يؤمن وظائف تصل إلى 18 ألف وظيفة جديدة. منذ ذلك الحين أدت الاضطرابات المحلية ومشكلات أوروبا الاقتصادية إلى تراجع حركة الاستثمارات.
حسب الأرقام التي نشرتها وكالة تشجيع الاستثمارات الأجنبية التونسية، كان حجم الاستثمار المباشر الأجنبي في الشهور 11 الأولى من 2013 نحو مليار دولار، أي بزيادة 12.5 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الذي سبقه، ولكن ما زال هذا المبلغ أقل من مستويات 2010.
وأضافت الوكالة "إن آخر استثمارات البلاد مدفوعة بتأسيس 315 شركة جديدة والتوسع في 177 مشروعاً موجوداً حالياً، وهو ما أدى إلى خلق 7470 فرصة عمل جديدة".
يعتمد الاقتصاد التونسي الموجه للتصدير بكثافة على الاستثمار الأوروبي في القطاع الصناعي، مثل قطع السيارات والطيران والأنسجة. وقد كان قرب البلاد من أوروبا، وتسهيلات الدخول إلى الأسواق الأوروبية التي وفرتها اتفاقيات التعاون مع الاتحاد الأوروبي – التي تهدف إلى الحد من الهجرة غير الشرعية عن طريق تقوية النمو الاقتصادي – من أكبر عوامل جذب المستثمرين الراغبين في الحصول على أيدي عاملة رخيصة.
وذكر أحد الدبلوماسيين الغربيين أن "الاتحاد الأوروبي ما زال المستثمر الأكبر في تونس، حيث تشكل استثماراته 70-80 في المائة من الاستثمارات في البلاد".
وقال "إن هناك اهتماماً شديداً من الشركات الإيطالية"، مشيراً إلى الاستثمارات القادمة من شركتي النفط والغاز النمساويتين أو أم في وشل.
كما يأمل المسؤولون التونسيون أيضاً بأن يساعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي وقع في تموز (يوليو) على جذب مزيد من الاستثمار.
وافق الصندوق في الأسبوع الماضي على إطلاق الشريحة الثانية من القرض، التي تبلغ قيمتها 506 ملايين دولار، في علامة تشير إلى موافقته على الإصلاحات الاقتصادية، والثقة الأرحب بإمكانية تحقيق الاستقرار السياسي.
وفي محاولة للتصدي للعجز في الميزانية، الذي قدره صندوق النقد الدولي بنسبة 8.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، عملت الحكومة على تخفيض دعم الطاقة، ومراجعة نظام الضرائب لرفع عائدات الحكومة.
رفعت الحكومة سعر البنزين بالفعل بنسبة نحو 8 في المائة في محطات تعبئة الوقود، وكذلك تعريفة الكهرباء للصناعات كثيرة الاستهلاك للطاقة مثل مصانع الأسمنت.
كما فرضت السلطات ضريبة بنسبة 10 في المائة على الصناعات التي سبق إعفاؤها من ضرائب التصدير، التي يغلب عليها أن تكون مقامة في المناطق الساحلية المزدهرة، وخفضت من العبء الضريبي على الصناعات الموجهة للسوق المحلية، من 30 في المائة إلى 25 في المائة، كطريقة لتحفيز خلق الوظائف في المناطق الداخلية المحرومة.
وقالت جيورجيا ألبيرتين، ممثلة صندوق النقد الدولي في تونس "ستساعد هذه الإجراءات على دعم وتطوير الشركات في السوق المحلية، بينما ستعمل على الحفاظ على تنافسية شركات التصدير".
وأشارت البيرتين إلى أنه من المتوقع أن يوفر قانون الاستثمار الجديد، الذي لم يوافق البرلمان عليه بعد، مزيدا من الشفافية وإطار عمل تنظيميا فعالا للمستثمرين.
ومع ذلك، لم يصل تفاؤل ألبيرتين بعد إلى كثير من فقراء تونس.
يقول عبد الجليل الصفدي الذي يبيع البنطلونات الرجالية في شارع شارل ديجول "أريد أن أكون في أي مكان آخر عدا تونس، أنا بحاجة إلى سيارة، لم يتغير أي شيء هنا بعد الثورة، بل على العكس، قد ازدادت الأمور سوءًا".
( فايننشال تايمز 8/2/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews