التطلعات الاستثمارية العالمية للعام الجاري

مرّت خمسة أعوام على بدء تداعيات الأزمة المالية العالمية، وقد تحولت براعم الانتعاش الخضراء الصغيرة إلى أشجار يافعة، وبدأ العالم يؤمن بأننا تجاوزنا الأزمة المالية العالمية والكساد الاقتصادي الذي تبعها، وأن الاقتصاد العالمي عاد للنمو مجدداً .

وجاء هذا التحول في الإيمان نتيجة لعدة أسباب، منها سياسات العمل المركزة وقوى التصحيح الاقتصادي، اللتان اندمجتا كي تحدّان من حالة عدم اليقين التي اكتنفت المشهد العالمي، وحدّت من تأثير وخطورة مخرجات حالة عدم اليقين التي ولدتّها الأزمة . وتمثلّت قوى التصحيح بالسياسات المالية الميسرة التي مارستها المصارف المالية من مختلف أنحاء العالم، حيث قامت بضخ سيولة هائلة بأسواق المال، الأمر الذي مكّن المصارف والمؤسسات المالية من الحفاظ على سيولتها، وساعدت الأصول على اختلاف فئاتها على الحفاظ على قيمتها، وبالتالي حالت دون حدوث انهيارات كبيرة في الأسواق أو حتى فشلها .

لاحظ العاملون في السوق خلال العام ،2013 آثار سياسات العمل التي تم تطبيقها في أعقاب الأزمة المالية العالمية، واستنتجوا أن تلك السياسات بدأت تؤتي ثمارها بالفعل . وشهدنا العام المنصرم انحسار المخاوف إزاء حدوث أزمات ضخمة بشكل ممنهج في أوروبا، وأن الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة وصل إلى نقطة التحول، وهو الآن في مساره نحو التعافي المستدام، وإن كان بطيئاً .

ومن جهة أخرى، تجنبت الصين صدمة قوية من خلال تخفيف معدل نمو إجمالي ناتجها المحلي، كما تم الإعلان عن إحداث إصلاحات اقتصادية . وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تقلص حجم المخاطر الناجمة عن حالة عدم الاستقرار الجيوسياسية، إضافة إلى إحراز بعض التطورات الإيجابية على الساحة السياسية .

نستهل العام 2014 بنظرة إيجابية على التطلعات المستقبلية، لاسيما أن القوى الاقتصادية والسياسية كانت قد وحدت جهودها للحدّ من حالة عدم اليقين، وقد أدى هذا إلى تحسن نظرة المستثمرين وإقبالهم على اتخاذ المخاطر . وبدأ العالم، فيما يواصل العمل على إزالة الآثار المتبقية من الأزمة المالية العالمية، يخطو بخطى واثقة ليدخل المرحلة الثانية من دورة الانتعاش التي تتسم عادةً بمعدلات نمو متسارعة الوتيرة . وبشكل خاص، نتوقع أن نرى تحسناً في النمو الاقتصادي في الأسواق المتقدمة في أمريكا وأوروبا، إلى جانب انتعاش نسبي في الأسواق الناشئة، فيما يحافظ التضخم الاقتصادي على معدلاته المنخفضة . كما نعتقد أن توقعات التضخم الاقتصادي ستبقى في مكانها، وأن تُبقي المصارف المركزية على سياساتها النقدية المساعدة .

هذا وكان أداء أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأسواق دول مجلس التعاون الخليجي تحديداً، الأفضل بين الأسواق الحدودية والناشئة خلال العام ،2013 ونتوقع أن يستمر هذا الوضع على حاله خلال العام الجاري، لاسيما في ظل ارتفاع مستويات الإنفاق على مشاريع البنى التحتية وارتفاع مستويات ثقة المستهلكين في دول مجلس التعاون، ما ينعكس إيجاباً على توقعات النمو لإجمالي الناتج المحلي في المنطقة .

وعلى الرغم من الأداء القوي الذي حظيت به أسواق دول مجلس التعاون الخليجي خلال العام ،2013 فإننا نبقى حذرين إزاء الإفراط في التفاؤل، خاصة أن الأسوق الخليجية، وكما يظهر التاريخ، تتفاعل بشكل مبالغ فيه مع التقلبات السوقية، إيجابية كانت أم سلبية .

وفيما يمضي العالم قدماً تجاه تحقيق التعافي الاقتصادي بعد أن كان قد أُصيب بعدة ضربات موجعة أدت إلى حدوث الأزمة المالية العالمية، على المستثمرين خلال العام ،2014 أن يعيدوا توجيه محافظهم الاستثمارية بحصافة تجاه فئات الأصول التي تكافئ اتخاذ نسبة أعلى من مخاطر الأسهم والائتمان، مع الحد من الانكشاف على السندات الائتمانية في الأسواق المتقدمة .

وفيما يلوح شبح التضخم في الأفق البعيد، يتوجب على المستثمرين الانكشاف على سلع منتقاة، وزيادة هذه الانكشافات بشكل تدريجي مع مرور الوقت فقط، عندما تتغير التوقعات بشأن معدلات التضخم بما يعطي سبباً وجيهاً لزيادة تلك الانكشافات .

أما من ناحية التوزيع الجغرافي، فننصح بالتركيز مبدئياً على أسواق الأسهم المتقدمة وأسواق الديّن، مع السعي بشكل تدريجي لاقتناص فرص لدخول الأسواق الناشئة عندما تبدأ الظروف غير المواتية الانحسار بشكل تدريجي .

هذا ونتوقع أن تبقى المحركات الدافعة للاقتصاد العالمي على حالها خلال العام الجاري، وأن تشهد المزيد من التوسع، لتؤكد بذلك على التوجهات التي كنّا قد بدأناها في العام الماضي.

( الخليج 6/2/2014 )