تصدير النفط الخام الأمريكي وإقناع الرأي العام
يحتدم الجدل السياسي في الولايات المتحدة الآن حول ما إذا كان بالإمكان السماح بتصدير النفط الخام المنتج محليا، هذا الجدل يتزامن مع استمرار ارتفاع إنتاج النفط الخفيف الحلو من موارد الصخر الزيتي، ما أدى إلى تداول خامات ساحل الخليج الأمريكي بخصومات كبيرة مقابل الخامات العالمية.
منتجو النفط المحليون يضغطون من أجل إجراء مراجعة شاملة لحظر التصدير من أجل منع انهيار أسعار النفط المحلية دون مستوى تكاليف المشاريع الهامشية، ما قد يؤدي إلى توقف الإنتاج كليا أو جزئيا.
في حين أن أصحاب المصافي يفضلون بقاء الوضع الراهن على حاله، لأنهم يستفيدون من النفط الخام المحلي الأرخص ثمنا. في هذا الجانب يتوقع المحللون استمرار الجدل على مدى السنوات القليلة المقبلة. على الرغم من أن نتيجة الصراع قد تكون مهمة بالنسبة للأسواق العالمية، إلا أن الشركات الأمريكية المحلية، على ما يبدو، عازمة على تصدير مزيد من النفط الخام بغض النظر عن النتيجة، حيث إن قانون حظر التصدير الحالي يسمح بالحصول على إعفاءات.
في الوقت الحالي، يركز منتجو النفط الخام على إقناع الرأي العام الأمريكي بأن تصدير النفط الخام لن يرفع من أسعار البنزين في الأسواق المحلية. لكن مع مرور الوقت، الهدف من ذلك تخفيف القيود على حظر تصدير النفط المحلي. وفقا لسياسة الولايات المنتجة للنفط، فإن النظام الحالي غير فاعل وربما يؤدي إلى انقطاع الإمدادات التي لا يمكن تحمل تكاليفها. في حين أن رفع أو تخفيف الحظر عن صادرات النفط الخام سيسمح للولايات المتحدة بلعب دور مهم في أسواق النفط العالمية ـــ على حد قول المنتجين المحليين.
بالفعل، ارتفاع إنتاج النفط في الولايات المتحدة قد غير بشكل كبير حركة تجارة النفط الخام العالمية. حيث إن الواردات الأمريكية من النفط الخام الخفيف الحلو انخفضت بنحو مليون برميل في اليوم، معظمها من إفريقيا، لكن الآن المكسيك تأثرت أيضا. حيث يتجه مزيد من النفط الخام الإفريقي إلى آسيا، في حين يذهب النفط المكسيكي الخفيف الآن إلى أوروبا. النفط الحامضي المتوسط من الشرق الأوسط وخامات فنزويلا الأثقل تتدفق بشكل متزايد أيضا إلى أسواق آسيا.
منذ عام 2008، استوعبت صناعة التكرير في الولايات المتحدة نحو ثلاثة ملايين برميل إضافية في اليوم من الإمدادات المحلية، لتصل طاقة التكرير فيها إلى 17.8 مليون برميل في اليوم. كميات كبيرة من النفط الإضافي تغادر الأسواق المحلية، لكن على شكل منتجات مكررة وليس كنفط خام. في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي بلغت الصادرات الأمريكية من المنتجات النفطية رقما قياسيا بلغ 3.9 مليون برميل في اليوم. النفط والغاز الطبيعي الرخيصين شجعا المصافي الأمريكية على زيادة معدلات التشغيل، في حين شجع انخفاض الاستهلاك المحلي على تصدير المنتجات. إن المنتجات النفطية يمكن تصديرها بحرية بموجب القانون الحالي، متجنبة الخصومات التي يعانيها منتجو النفط الخام.
ما زال بمقدور صناعة التكرير الأمريكية استيعاب مزيد من النفط الخام الخفيف الحلو، لكن إنتاج النفط قد يتأثر في نهاية المطاف إذا ما اضطر منتجو النفط إلى إعطاء خصومات كبيرة لفترة طويلة.
التخفيضات أو الخصومات لا مفر منها في المرحلة الانتقالية، حيث إن ارتفاع الإنتاج يسعى في البداية إلى إيجاد أسواق جديدة، لكن المنتجين يريدون تجنب الإغلاق. في الوقت نفسه، تؤدي الخصومات إلى انتقال أرباح كبيرة من المنتجين الأمريكيين إلى شركات التكرير المحلية، التي تضغط بقوة للحفاظ على أكبر قدر ممكن من النفط في الأسواق المحلية، بحيث تستمر الخصومات. ف
ي ظل ظروف التصدير الحالية يتوقع بنك باركليز أن يتم تداول الخام الساحلي لويزيانا الخفيف الحلو بفارق خمسة دولارات للبرميل عن خام بحر الشمال "برنت" في أوروبا، ما قد يكلف المنتجين في ولاية تكساس وباقي المنتجين على ساحل الخليج نحو 3.4 مليار دولار سنويا.
القواعد الحالية التي تحكم تجارة النفط الخام الأمريكي تسمح ببيع النفط خارج البلاد تحت شروط محددة. لكن من يقوم بمراجعة الطلبات هي وزارة التجارة وليس وزارة الطاقة. إن تصاريح التصدير تمنح بشكل روتيني إلى كندا، بشرط أن يتم تكرير النفط المصدر فيها. في الوقت الحاضر تستورد كندا من الولايات المتحدة أكثر من 100 ألف برميل في اليوم من ولاية داكوتا الشمالية وحدها، معظمها عن طريق السكك الحديدية، لكن هناك كميات متزايدة أيضا يتم نقلها بالسفن من ساحل الخليج الأمريكي، ما أدى إلى انخفاض كميات النفط الحلو القادمة من أوروبا وإفريقيا إلى شرق كندا. هذه الكميات من المحتمل أن تنمو في المستقبل المنظور إلى بضع مئات آلاف البراميل يوميا.
يمكن أيضا تصدير النفط الخام من ولاية ألاسكا مع بعض القيود. النفط الخام المتوسط الحامضي من المنحدر الشمالي لولاية ألاسكا يتم شحنه الآن إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة، لكن يمكن تعويض هذا النفط عن طريق مزج النفط الكندي الثقيل الحامضي مع نفط باكن الخفيف الحلو القادم من ولاية داكوتا الشمالية أو خام غرب تكساس الوسيط. مجرد ما تتوافر طاقات سكك حديدية أو خطوط أنابيب كافية لنقل تلك الخامات إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة، سيكون بالإمكان تصدير الإنتاج الحالي للمنحدر الشمالي لولاية ألاسكا الذي يقدر بنحو 500 ألف برميل في اليوم إلى الخارج.
حسب بنك باركليز، تتوافر حاليا طاقات تسلم على الساحل الغربي تقدر بنحو 250 ألف برميل في اليوم في ولايات كاليفورنيا، واشنطن، وأوريغون، هناك نحو 400 ألف برميل في اليوم من المتوقع أن تبدأ العمل هذا العام، ونحو 500 ألف برميل في اليوم مخططة لعام 2015. طاقات التسلم الجديدة يمكن أن تعوض بالكامل عن النفط القادم من المنحدر الشمالي لولاية ألاسكا، وأيضا عن كثير من النفط الخام الخفيف الحلو والخام المتوسط الحامضي القادم من إفريقيا والشرق الأوسط إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة.
لا تزال قطاعات التكرير ونقل النفط الخام تتوسع في الولايات المتحدة، لكن قد يصبح تصدير النفط الخام أمرا لا يمكن تجنبه من أجل الحفاظ على نمو الإمدادات. الجدال حول تصدير النفط الأمريكي سيحتدم مع استمرار تداول خام غرب تكساس الوسيط بخصم أكثر من عشرة دولارات للبرميل عن خام بحر الشمال "برنت"، واستمرار تداول باقي الخامات المحلية الأخرى أقل بكثير من خام غرب تكساس الوسيط. إن منحى الأسعار المستقبلي لعام 2019 ما زال يشير إلى فرق 15 دولارا للبرميل بين الخام الأمريكي والخامات العالمية، لكن ليس من الواضح ما إذا كان هذا الخصم قد أخذ في الاعتبار السماح بالتصدير.
إن التصريح برفع الحظر عن تصدير النفط في الولايات المتحدة ربما ليس متوقعا على المدى القريب، لكن مع مرور الوقت، يمكن أن نتوقع أن يتخذ صناع القرار خطوات للحفاظ على التوازن بين قطاع التكرير والاستخراج. يبقى أن نشير إلى أنه حتى مع السماح بتصدير النفط المحلي على نطاق واسع، ستبقى الولايات المتحدة مستوردا صافيا للنفط للخام لعقود قادمة، وستبقى منطقة الشرق الأوسط مصدرا مهما لهذا النفط.
( الاقتصادية 6/2/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews