قلق وخوف من فكرة ترك المستوطنين في الضفة تحت سيادة فلسطينية
إن فكرة اخلاء دولة اسرائيل للضفة العبقرية دون اجلاء المستوطنين عنها أبدعها يوسي بيلين. فقد جاء في ورقة صاغها مع أبو مازن في تشرين الاول 1995 أن المستوطنين يستطيعون الاستمرار في العيش هناك تحت سيادة فلسطين. وبالغ بيلين إذ سافر الى عوفره وهي احدى المستوطنات الرائدة لغوش ايمونيم. ودُعي السكان الى اجتماع وخطب فيهم خطبة تناول فيها مزايا الوثيقة.
وتحدثت اليه بعد ذلك وسألته كيف يخطر بباله أن يوافق اسرائيليون على العيش تحت سيادة عربية، ولماذا يعتقد أن ذلك سينجح. ولم تكن كلمة “هاذٍ” قد راجت آنذاك ولهذا اضطررت الى إطالة الكلام. وهدأ بيلين نفسي قائلا: لن يعيشوا هناك يوما واحدا. فسألته: لماذا حاولت اذا أن تقنعهم بأنهم يستطيعون البقاء. فابتسم بيلين ثم قال: مسحتهم. ولو كان اليوم لقال: احتلت عليهم وسرت على رؤوسهم.
كان بيلين يسلك طول حياته السياسية كلها كمن يعتقد أن الهدف يُسوغ الوسيلة. “يجوز الكذب لاجل ارض اسرائيل”، قال اسحق شمير. وكانت ارض اسرائيل بيلين مختلفة بالطبع، ولم تكن أقل قداسة لكنها كانت مختلفة، وكانت المحللات التي أباحها لنفسه مختلفة ايضا. إن نظره الى الحقيقة يشبه نظر السائقين في القاهرة الى شارة سير حمراء: فالحقيقة ليست واجبا بل هي خيار، فحينما تكون مريحة نستعملها وحينما لا تكون ننكرها. وقد أشبه نتنياهو من هذه الجهة.
لم يوقع أبو مازن قط على الورقة التي كتبها مع بيلين. فأبو مازن ليس من المسارعين الى التوقيع كما يعلم اليوم كل عضو في فريق السلام الامريكي؛ فهو يفضل النظريات الشفهية. وقال زميله احمد قريع (أبو العلاء) في الفترات التي كان فيها يؤيد المسيرة ولا يشوش عليها، قال إنه مستعد لأن يبقى الاسرائيليون في الدولة الفلسطينية لكن عنده شرطا وهو أن تكون المستوطنات مفتوحة لكل أحد يهودي وعربي. وتخيلوا الآن ماذا سيحدث في يتسهار مثلا حينما يقعد الرفاق من حماس مع الرفاق من “ما زال يوسف حيا” للتباحث في افتتاح حلقات في مركز جماهيري.
الاسرائيليون مستعدون للعيش تحت كل سيادة اجنبية ديمقراطية أو استبدادية، مستقيمة أو فاسدة، متسامحة أو عنصرية بشرط ألا تكون سيادة عربية، فحينما اضطرت اسرائيل الى اخلاء جيب طابا في سيناء عرض المصريون على الفريق الاسرائيلي في فندق سونستا الاستمرار على العمل بالأجور نفسها والشروط نفسها والسكن في ايلات واجتياز الحدود في ساعات العمل فقط، فرفض الاسرائيليون. وفي يوم الاخلاء اجتمعوا في الشارع الرئيس قبالة الفندق ورفعوا علم اسرائيل في المقدمة وساروا الى المعبر الحدودي مثل الجالين اليهود على باب تيتوس في روما لكن باتجاه معاكس.
قال لي الوزير أوري اورباخ (البيت اليهودي) في هذا الاسبوع إن 95 بالمئة من الاسرائيليين الذين استوطنوا يهودا والسامرة يفضلون دولة اسرائيل على ارض اسرائيل. فهم يريدون أن تسيطر الدولة على البلاد كلها لكن تفضيلهم واضح في الحسم بين الاثنتين. ويُخيل إلي أن النسبة الحقيقية هي أقرب الى 100 بالمئة.
وحينها جاء السؤال
حينما تحدث نتنياهو في دافوس لم يقل بصوته انه يقترح أن يُخلف المستوطنين في الخلف، بل قال فقط إنه لن يُخلى أي اسرائيلي – لا بلدة ولا مستوطن فرد. وبدا هذا التصريح للاسرائيليين مثل تخل آخر لليمين المتطرف. وانتبه قليلون الى عدم وجود ردود تنديد – لا من قبل أبو مازن ولا من قبل كيري والعاملين معه. فقد فهموا في واشنطن ورام الله نتنياهو أكثر مما فهموه في القدس.
وحينها جاء السؤال – ربما كان سؤالا مستدعى من مصدر امريكي وربما كان سؤالا عرضه مراسل وكالة الانباء إي.بي على مارك ريغف متحدث ديوان رئيس الوزراء الى وسائل الاعلام الاجنبية. إن ريغف اسرائيلي من مواليد استراليا ليست له أية صلة بميري ريغف، وقد وصل الى ديوان رئيس الوزراء من وزارة الخارجية. وهو مختص وهو مستقيم وموضوعي وبلا سُم. واذا كانت عنده آراء تخصه فهو لا يأتي بها الى الديوان. لو كانت الايام في ديوان رئيس الوزراء أكثر سلامة وأقل شعورا بالمطاردة لسميته “مراك ريغف”. لأنه يوجد مرق يمني كهذا غني ولذيذ.
إن ريغف هو الشخص الذي بشر العالم بأن القصد هو الى ابقاء المستوطنين في الخلف. وبرغم ذلك، حينما تحدث نفتالي بينيت بلا أسماء عن “نفاد الصبر” استنتج الجميع لسبب ما أنه يقصد نتنياهو. ودُعيت ليمور لفنات وتساحي هنغبي وهما خريجان متفوقان من المدرسة المسماة باسم حنة بابلي للآداب وحسن التعامل، دُعيا الى توبيخ بينيت لفظاظته. فأديا الرسالة دون وهن.
خبز أو زبد
“ماذا، هل أنت طفل صغير؟”، قالت غيلات بينيت زوجة رئيس حزب البيت اليهودي لزوجها في تأنيب. وقد حدثته بالهاتف قبل أن يصعد الى المنصة أول أمس ببضع دقائق، في مؤتمر في البحر الميت. “دع ذلك”، أمرت بينيت، بينيت، فأطاع.
وبعد أن تلا أمام عدسات التصوير نصف اعتذاره، وكان لحن النهاية لازمة لم تكن، قال للعاملين معه: “أنا أفتخر بأن أكون كبير السن المسؤول”.
إن الاطراف في أكثر الاحزاب في العالم تجذب الى الخارج في مواجهة منتصف يتمسك بالكرسي وليست الحال كذلك في حزب البيت اليهودي، حيث تعمل السياسة بصورة معاكسة: فالمنتصف يناضل لكن الاطراف تتمسك. وأي تمسك، لا يشبه أي غراء.
بعد سنوات طويلة في هوامش هوامش الجهاز السياسي، على حدود الكاهانية، بلغ أوري اريئيل آخر الامر الى مبتغاه فحظي بوزارة الاسكان وحظي معه مرسلوه وهم رؤساء القطاع الحريدي المتدين في المستوطنات، وحاخامو بيت إيل وبراخا ومتطرفو الجيب اليهودي في الخليل. واريئيل أحد الساسة الاكثر قدرة والاكثر شهوة مما عرفت الكنيست ويمثل مرسليه باخلاص. وهو متصل الآن بالضرع – بالنفقات والاوراق السرية والقرارات. فهو اريئيل الحالب وهو لن يترك الضرع بسهولة.
إن ولاءه هو لدولة يهودا. وولاؤه لقطاعه يُمكنه كما هي الحال عند الحريديين من النظر في صبر مفرط فيما يُقال باسم دولة اسرائيل التي هي الدولة الاخرى.
حينما بلغت المواجهة بين نتنياهو وبينيت الذروة أول أمس صباحا، ذهب اريئيل الى ديوان رئيس الوزراء ليُهديء النفوس ووعد بأن يعتذر بينيت. واستتبع الوعد تشددا في تصريحات ديوان نتنياهو فقد رأوا هنا فرصة ذهبية بلا مخاطرة حقيقية لاظهار الزعامة وإذلال خصم. ويُقسم ناس بينيت أنه لم يكن بينه وبين وزير اسكانه أي اتصال. وجد 400 تطوعوا بالوساطة – واريئيل واحد منهم – لكن الاعلام كان الوسيط الوحيد آخر الامر، بحيل دعائية طُرحت طول النهار من جهة الى اخرى.
قالت احدى الحيل من ديوان رئيس الوزراء إن نتنياهو يستطيع أن يبيح لنفسه اقالة بينيت. وهو يستطيع أن يقيم الحكومة من غيره. وسينافس حزب العمل الحريديين أيهما ينضم أولا.
لكن الامر ليس سهلا بهذا القدر. فقد رفض رئيس العمل بوجي هرتسل أن يلتزم لنتنياهو أن ينضم الى الحكومة. هو لن يكون شريكا في اسقاط الحكومة ما دام التفاوض السياسي موجودا لكن الانضمام اليها ليس مطروحا الآن. فقد خشي هرتسوغ أن يستخدمه نتنياهو إما تهديدا لليمين وإما ذريعة للامريكيين تُبين لماذا استسلم لليمين.
لم يوافق لبيد الى الآن على الجلوس مع الحريديين في الحكومة. ويُشك في أن يستطيع أن يبيح لنفسه ذلك بسبب ضعفه في استطلاعات الرأي العام. ويستطيع نتنياهو أن يهدد لبيد بانتخابات، لكن تنفيذ هذا التهديد ايضا ليس أمرا سهلا، فقد تنشأ في الكنيست اكثرية للحكومة من غير نتنياهو ومن غير انتخابات.
أكثر اعضاء كنيست من الليكود هذا الاسبوع طرحهم لسؤال أيهما أكثر جذبا في صناديق الاقتراع نتنياهو أم الليكود؟ كم نائبا سيأتي بهم نتنياهو دون الليكود؛ وكم نائبا سيأتي بهم الليكود دون نتنياهو.
إن الحقيقة هي أن الليكود ونتنياهو كالخبز والزبد: فالليكود هو الخبز ونتنياهو هو الزبد، وهما معا شيء ما ويكون أقل اذا انفصلا. إن القليلين يغريهم الخبز بلا زبد ولا أحد يغريه زبد بلا خبز. “أنت تدقق”، قال لي أحد اعضاء الكنيست من الليكود.
( هارتش 2/2/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews