أوباما يعرقل انتشال شركات التكنولوجيا من مستنقع التجسس
إذا كانت العلاقات بين وادي السليكون وواشنطن قد تأزمت بصورة خطيرة بعد الكشف عن المدى الذي تمارس فيه الولايات المتحدة التجسس على الإنترنت، فإن محاولة الرئيس باراك أوباما الأسبوع الماضي للتقليل من قلق الجمهور لم تفعل شيئاً يذكر لرأب الصدع بين الطرفين.
فعلى الرغم من الكلام المعسول الذي استخدمه الرئيس، إلا أن خطابه كان تأكيداً لما اضطرت صناعة التكنولوجيا، على مضض، إلى القبول به، وهو أن مؤسسة الأمن القومي الأمريكية في حالة حرب تتعلق بأمن الإنترنت "الكمبيوتر" مع بعض من أهم شركات التكنولوجيا في البلاد.
لقد مرت على مجموعات التكنولوجيا الكبرى سبعة أشهر بائسة بالفعل، نتيجة تسريبات غذاها بالقطَّارة المقاول السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكي، إدوارد سنودِن. وحتى لو لم تكن شركات الإنترنت الأمريكية ضالعة عن قصد في التجسس على زبائنها، إلا أن ما تبين فعلا هو أن بعضاً من أبرز شركات أجهزة الكمبيوتر والبرمجيات الأمريكية أصبحت قنوات مفيدة لعملاء المخابرات.
وزاد أوباما شخصياً من هموم وادي السليكون في أول خطاب عام له حول هذا الموضوع في العام الماضي. فعلى الرغم من طمأنته الأمريكيين بأن خصوصياتهم لم تكن محل خطر، إلا أنه أوضح أن باقي دول العالم أصبحت مكاناً يمكن الاصطياد فيه بحرية – وهي دعاية سيئة للمبيعات بالنسبة لشركات التكنولوجيا الأمريكية التي تمتلك كثيرا من البيانات التي تخص أجانب، والتي تمتلك كذلك أجهزة تقبع في قلب شبكات تكنولوجيا المعلومات حول العالم. وفي الأسبوع الماضي عاد الرئيس وعكس مساره، واعداً بإعادة النظر في الموضوع واتخاذ بعض التدابير الوقائية - على الرغم من تواضعها - للحفاظ على خصوصية غير الأمريكيين، وهي تدابير تندرج ضمن إجراءات أخرى بهذا الخصوص. ومع ذلك لن يزيد هذا عن كونه "ورقة توت" بالنسبة إلى وادي السليكون، في الوقت الذي تسعى فيه الشركات لإعادة الطمأنينة لقاعدتها من الزبائن العالميين. وسيكون من الصعب إعادة الثقة بالصناعة بعد فقدانها، مهما كان نوع الوعود المتأخرة المقدمة للجمهور.
كذلك لم يقدم الرئيس تنازلات حول القضايا الأكثر إثارة لقلق زبائن شركات التكنولوجيا الأمريكية. وبدلاً من تقديم وعد بإنهاء عملية جمع المعلومات الضخمة من البيانات، وهو ما كانت تأمله بعض الشركات، أصدر أوباما إعلاناً عاماً يبرر فيه مثل هذه الممارسات.
وحتى الآن اقتصر جمع المعلومات فقط على السجلات التي تمتلكها شركات الهاتف الأمريكية. لكن بعضهم في وادي السليكون بدأ يخشى من أن تشرع وكالة الأمن القومي في البحث في الخزانة التي تحتوي على بيانات قيمة على الإنترنت، وتتمكن بعد ذلك من شفط التفاصيل المتعلقة بالرسائل الإلكترونية ومكالمات فيديو الإنترنت وسيل الوسائط الاجتماعية، وتضيف كل ذلك إلى أرشيفها.
ولم يتطرق أوباما في خطابه إلى أي قيود محتملة على استخدام التقنيات غير القانونية التي استخدمتها الخدمات الأمنية في الفترة الأخيرة، التي غالباً ما تنتهي إلى توجيه سهامها إلى شركات التكنولوجيا الرئيسة في البلاد.
ومن جانبها، لم تترك وكالة الأمن القومي أي اعتبارات تقف في طريق أعمالها، ابتداءً من قرصنة الشبكات الداخلية لـ "جوجل" و"ياهو" إلى زرع "أبواب خلفية" في التكنولوجيا التي تصنعها شركات مثل سيسكو، ويمكن استخدامها فيما بعد للتغلغل في الأجهزة (يقصد بالأبواب الخلفية هنا وسائل الدخول إلى برامج بتجاوز الآليات الأمنية المخصصة لها).
وما زاد من غضب الشركات من الأسرار المسربة أنها لم تتلقَ عزاءً على ما أصابها، لكنها بدأت على الأقل تعرف الآن المكان الذي يأتي منه المهاجمون. وهي تقسم، فيما بينها، على ألا تكون بعد اليوم أهدافاً سهلة لحكومتها. وكانت هناك أيضاً نهاية غير سعيدة لملاحظات الرئيس، وكانت غير متوقعة، وهي قوله: "التحديات التي تواجهها خصوصيتنا لا تأتي فقط من الحكومة".
أما بالنسبة لأي فرد يشعر بالقلق من وكالات الاستخبارات، فقد ذكره الرئيس بالتجسس اليومي الذي يوفر الوقود لماكينة أرباح وادي السليكون، حين قال: "هناك مؤسسات من كل الأشكال والأحجام تتابع ما يشتريه المواطن ويخزنه، وهناك من يحلل بياناتنا ويستخدمها لأغراض تجارية".
ووضعت تسريبات سنودن شركات التكنولوجيا في موضع لا تحسد عليه، فقد أصبحت محصورة بين غضب مجموعات الحريات المدنية من جهة وأنشطة حكومتهم التجسسية من جهة أخرى.
والأمر الذي زاد من مشاعر الاستياء هو محاولة أوباما الربط المباشر بين تجسس الحكومة وتقنيات الدعاية الرقمية، وبعد ذلك تقديم وعود واسعة بمراجعة موضوع الخصوصية والبيانات الكبيرة. وبالنظر إلى كمية بيانات المستخدمين المثيرة للجدل التي جمعتها هذه الشركات، فربما أصبح لا مفر من جرجرة هذه الشركات إلى هذا المستنقع الموحل. لكنها على الأغلب لم تتوقع أن تأتي هذه الجرجرة من حكومة بلادها.
( فايننشال تايمز 23/1/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews