فوضى فواتير المياه
يعتبر ضبط الأمور المالية للشركات والمؤسسات من الأمور الأساسية والبديهية والضرورية لاستمرار الشركات وعملها. ويأتي ضبط متحصلات الشركات وخصوصاً فواتير العملاء على رأس قائمة الأمور المالية التي تؤثر على الملاءة المالية للشركات وسمعتها. وتقدم الدولة دعماً ضخماً لقطاع المياه وتوفره بأسعار مدعومة، ولكن يفاجأ بعض المستهلكين بفواتير مياه خرافية على الرغم من تدني قيم الفواتير بشكل عام. ويشتكي عدد كبير من سكان هذا البلد الكريم من خدمات المياه بما في ذلك فوضى الفواتير وتأخرها وعدم دقتها. ومع أن فواتير المياه تبدو ربع سنوية، إلا أن شركة المياه لم تحدد حتى الوقت الحالي الفترة الزمنية التي ترسل بها فواتير الاستهلاك، فأحياناً توزع الفواتير كل ثلاثة أشهر، ثم تنقطع فترة من الزمن، ثم تأتي بعد عدة أشهر، وقد تنقطع لفترة من الزمن ثم تأتي فجأة وبعد عدة سنوات وبمبالغ مالية مرتفعة جداً. ويفاجأ بعض السكان بتراكم مبالغ الفواتير حتى تصل في بعض الأحيان إلى عشرات الآلاف من الريالات مع أن تسعيرة المياه منخفضة. وقد لاحظ أحد معارفي بأن فواتير المياه المرسلة إليه غير دقيقة، فأخذ يراقب قراءة عداد المياه ويدقق بيانات الفواتير، وقد وجد بأن قراءة أحد الفواتير تشير إلى وصول استهلاكه إلى مستوى معين، فرجع إلى العداد ووجد أن قراءة العداد لم تصل إلى المستوى المذكور في الفاتورة بعد أكثر من شهر من إصدارها.
وعلى الرغم من أن الفرق المادي الناتج عن الفاتورة المغلوطة بسيط، إلا أن هذا الشخص بادر بإبلاغ شركة المياه بوجود خطأ في قراءة العداد وأن بعض العدادين لا يقرؤون العداد جيداً أو أنهم يضعون أرقاماً في منازلهم ومن عند أنفسهم. ومن المؤسف بأن الشركة لم تقم بأي إجراء، وبدلاً من ذلك توقفت وبشكل شبه نهائي عن إرسال فواتير لهذا الشخص، واكتفت بوضع المبالغ المستحقة على حساب سداد. فحاول هذا الشخص الحصول على فاتورة إلكترونية لاستهلاك المياه ولكن بدون جدوى، حيث إن الشركة أذكى من الحريصين على قراءة العدادات فليس من السهل الحصول على فواتير إلكترونية كما تدعي.
ومع أهمية المياه العظيمة وأهمية الفوترة في حصول الشركة على إيرادات مالية تساعدها في أداء مهامها، وتساعد كذلك في الحد من الإسراف في استهلاك المياه، والذي تعاني المملكة شحها، إلا أن نظام الفوترة في شركة المياه يبدو ضائعاً. ويبدو والله أعلم أن شركة المياه لا تبذل جهوداً كافيةً لضبط الفوترة. وينقص المسؤولين عن الفوترة فيها الكفاءة والحرص على الدقة وعدم التجني على بعض السكان وظلمهم بشكل صريح. وتتوافر لدي صورة من قائمة أو كشف فواتير استهلاك مياه تخص أحد زملائي في العمل. وتتضمن تلك القائمة فواتير استهلاك أربع سنوات تتجاوز قيمتها 20 ألف ريال. وقد ذكر صاحب قائمة الفواتير بأنه لم يتلق فواتير خلال تلك الفترة. وتتركز قيمة الفواتير في ثلاث فترات زمنية، حيث تجاوزت قيمة الاستهلاك في فترتين ثلاثة آلاف ريال، بينما تجاوزت فاتورة فترة زمنية مدتها 68 يوماً عشرة آلاف ريال. وبلغت كمية المياه المستهلكة في تلك الفترة حسب الفاتورة نحو 2300 متر مكعب، أي أن صاحب هذا البيت الصغير الذي لا تتجاوز مساحته 500 متر مربع كان يستهلك 33 متراً مكعباً من المياه في اليوم. والمعلوم أن المياه في معظم الأحيان تتدفق ببطء كما أنها لا تتدفق كل يوم إلى خزانات المياه، حيث يجري ترشيد تدفق المياه بين أحياء مدينة الرياض، ويقتصر تدفق المياه لكل حي على يومين فقط في الأسبوع. فهل من المعقول وحسب الفاتورة بأن يتدفق في أيام صب المياه 118 متراً مكعباً في كل مرة؟ وهل من المقبول عقلاً أن يتسع خزان مياه لا تتجاوز سعته 40 متر مكعب لكل هذه الكمية من المياه؟ والأدهى والأمر في كشف استهلاك هذا الشخص سيئ الحظ أن الفترة نفسها عليها فاتورة أخرى وبقيمة قدرها نحو أربعة آلاف ريال، كما أن هناك فترات زمنية بين فترات الفواتير لا تغطيها أي فواتير. فهل توجد قراءات متعددة ومن عدادين مختلفين لنفس المنزل، أم أن هناك إهمالاً واضحاً في قراءة العدادات، أم يوجد قراء فواتير يضعون القراءات وهم في منازلهم؟
لقد تأمل الجميع خيراً من تحول قطاع المياه إلى شركة، ولكن لا يبدو أن هذا التحول نجح في إحداث أي تغير ملموس أو جوهري في أسلوب إدارة قطاع المياه، حيث لم يطرأ تحسن يذكر على خدمات المياه ولم يتغير تعامل الشركة مع المستهلكين. ويحتاج قطاع المياه في المملكة إلى إعادة هيكلة فعلية وتغييرات واسعة في سياسات التعامل مع الجمهور، وفي إنتاج وتوزيع وتسعير المياه، وفي أساليب الفوترة المليئة بالأخطاء والتي عفّى عليها الدهر.
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews