مخزونات النفط العالمية تكشف عن اتجاهات موسمية جديدة

إن مفهوم الاتجاهات الموسمية في أسواق النفط العالمية لم يختف تماما، لكنه آخذ في التغير، ذلك نتيجة للنمو في- وتزايد أهمية - الطلب على النفط في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي، مثل الصين، الهند، المملكة العربية السعودية، الأرجنتين وجنوب إفريقيا، قابله انخفاض في استهلاك الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، ارتفاع إنتاج النفط في الولايات المتحدة وإعادة جدولة توقيتات الصيانة الدورية الربيعية لشركات التكرير إلى وقت مبكر من العام. ما يعني أن ذروات الطلب على النفط في أوروبا وأمريكا الشمالية أصبحت أقل أهمية بالنسبة لأسواق النفط العالمية، في حين أن أنماط الطلب على النفط في الدول الرئيسة غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي مثل الصين والهند أصبحت أكثر أهمية بالنسبة لأسواق النفط. هذه التغييرات لها تأثير كبير في أنماط الاتجاهات الموسمية التقليدية للمخزون النفطي.

في الماضي، كان عادة يتم بناء مخزونات النفط خلال الربعين الثاني والثالث، ثم يعود وينخفض في الربع الرابع والأول. لكن على مدى السنوات الأخيرة، مخزونات النفط شهدت ارتفاعا خلال النصف الأول من العام، ومن ثم انخفضت في النصف الثاني. إن إلقاء نظرة على حركة مخزونات النفط العالمية على مدى السنوات الـ 20 الماضية يشير إلى أن المخزونات انخفضت خلال الربع الأول بمعدل 300 ألف برميل في اليوم في المتوسط للفترة بين عام 1993 إلى 2007. لكن منذ عام 2008 مخزونات النفط العالمية ارتفعت بمعدل 550 ألف برميل يوميا في المتوسط في الربع الأول من العام. في المقابل شهد الربع الثالث ارتفاعاً بمعدل 500 ألف برميل يوميا في المتوسط في الفترة بين عام 1993 و2007، لكن الربع الثالث شهد انخفاضا بمعدل 300 ألف برميل يوميا في المتوسط منذ عام 2008 حتى الآن.

هذه التحولات في اتجاهات ''بناء/ انخفاض'' المخزونات النفطية كانت واضحة بشكل خاص في الولايات المتحدة، حيث أصبح الارتفاع الكبير في مخزون النفط الخام هو سمة الفصل الأول.

إن ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخفيف-الحلو من مصادر الزيت الصخري تزامن مع انخفاض الطلب على وقود التدفئة. هذا الاتجاه في العرض والطلب جعل من الطلب الشتائي الموسمي على النفط أقل أهمية بالنسبة لشركات التكرير الأمريكية، التي دفعت بموسم الصيانة إلى الأمام من فصل الربيع إلى منتصف فصل الشتاء، ما أدى إلى خفض الطلب على النفط في الربع الأول.

أنماط الطلب على النفط في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لها أيضا تأثير كبير في الاتجاهات الموسمية لأساسيات أسواق النفط. في الشرق الأوسط، على سبيل المثال، فإن بلدانا مثل السعودية تكثف من كميات النفط الخام المستخدمة في الحرق المباشر لتوليد الطاقة الكهربائية خلال موسم الذروة في الربع الثالث لتلبية الطلب المتزايد على التبريد في فصل الصيف، مما يساعد على إحكام التوازن بين العرض والطلب ويساهم في خفض المخزون النفطي الذي أصبح الآن عادة خلال الربع الثالث.

في الوقت نفسه، مع بروز دور الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند وغيرها من الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي كمركز رئيس لنمو الطلب العالمي على النفط وتعاظم أهميتها في مزيج الطلب على النفط العالمي، برزت أيضا أهمية الصيانة الدورية لمصافيها وأنماط إدارة مخزونها النفطي، والتي تختلف نوعاً ما عن تلك التي في أوروبا وأمريكا الشمالية التي هيمنت تاريخياً على أسواق النفط. صيانة المصافي في معظم الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي تتم عادة في وقت لاحق من السنة، في حين أن أنماط إدارة المخزون النفطي فيها تكون عادة لتلبية الحاجة الأساسية فقط، حيث إن التركيز على الخزين فيها أقل مما هو عليه في الدول المستهلكة الرئيسة ضمن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي، حيث تسعى الأخيرة إلى رفع مستوى خزينها النفطي فوق معدلاته الطبيعية قبل موسم ذروة الطلب على النفط أو المنتجات النفطية. هذا التفاوت في أنماط إدارة المخزون بين الفريقين يساعد على تفسير بعض التغييرات التي طرأت على حركة المخزون النفطي الموسمي على مدى السنوات القليلة الماضية. كما أن التوسع المطرد المتوقع في إمدادات النفط، أنظمة النقل والتخزين على المدى البعيد للاقتصادات الناشئة طغى إلى حد كبير على التغيرات الموسمية قصيرة الأجل.

هذه التغييرات في الاتجاهات الموسمية للمخزون النفطي تعني أن التحولات الموسمية في ميزان العرض والطلب يجب أن يتم التعامل معها بطريقة جديدة أيضا. على سبيل المثال، التوازن الفضفاض بين العرض والطلب والبناء الكبير في المخزون النفطي أصبحت السمة الجديدة للربع الأول من السنة، ليس بالضرورة عامل تنازلي على الأسعار Bearish، في حين أن انخفاض المخزون خلال الربعين الثالث والرابع بالمثل لم يعد ينظر إليه ببساطة على أنه عامل تصاعدي على الأسعار Bullish.

لكن، الذي يجب أن تتم مراقبته من كثب، هو ما إذا كان هناك أي انحراف كبير عن أنماط أو اتجاهات المخزون الجديدة التي تشكلت بعد عام 2008، لأن هذا هو الذي يوفر معلومات قيمة حول الاتجاهات المرجحة لأسعار النفط العالمية. العوامل التي يمكن أن تعطل الأنماط الموسمية الجديدة هي باقية نفسها إلى حد كبير، وهي انقطاع في الإمدادات غير مخطط، طفرات في ارتفاع الطلب على النفط أكثر من المتوقع، خاصة خلال الأشهر الأولى من فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي، أو أنشطة المضاربة في الأسواق المستقبلية للنفط التي يبدو أنها لا تتوافق مع أساسيات أسواق النفط السائدة.

( الاقتصادية 14/11/2013 )