الأسد يُشهر سلاح التجويع لاستكمال مذابح «الكيماوي»
تأخر قدوم الخريف إلى وادي البقاع في لبنان، وما زال الطقس هادئاً ويضفي جواً رحيماً، ليس مع الكروم الذهبية أو البساتين القديمة ومزارع الحشيش المتماوجة في الأفق فحسب، بل ومع الأمواج البشرية التي تتدفق فوق الجبال أيضاً، وهي تهرب من الحرب الأهلية الوحشية في سورية.
يعد هؤلاء اللاجئون جزءًا مما يزيد على مليون سوري في لبنان، وهو ما يعني أن هناك سورياً واحداً مقابل كل أربعة من سكان لبنان. يعيش هؤلاء اللاجئون متناثرين داخل مئات التجمعات التي تحتوي على خيام متداعية، مكوّن أغلبها من القماش المانع لتسرب الماء أو مواد البناء المستخلصة من المهملات. إنهم يواجهون شتاءً وحشياً في انتظارهم.
الحال هو نفسه مع الملايين من بني جلدتهم داخل سورية. قالت الأمم المتحدة هذا الأسبوع: إن هناك عدداً مذهلاً تبلغ نسبته 40 في المائة من السوريين، بحاجة للمساعدة الخارجية للبقاء على قيد الحياة، وأن ثلثي هؤلاء دون مأوى، أو منحشرين داخل حدود بلادهم، ويواجهون المجاعة في حالات كثيرة. وهناك شيء أصبح واضحاً منذ الصيف، وهو أن نظام بشار الأسد يستخدم التجويع سلاحاً في حربه.
أصبح الأسد هانئاً ومسترخياً بعد أن منحه العالم جائزة لتعاونه الظاهري في تدمير ترسانته من الأسلحة الكيماوية. وبعد أن استبعدته وأهملته الولايات المتحدة والأوروبيون والحلفاء العرب واعتبروه طاغية مهملاً، بدأ الدبلوماسيون الآن في التودد إليه، وأصبح في نظرهم طرفاً لا يمكن الاستغناء عنه، أثناء محاولاتهم حث النظام والثوار على الدخول في محادثات، في وقت متأخر من هذا الشهر في جنيف. وفي هذه الأثناء، ينخرط النظام في مذبحة هادئة وبطيئة بدا أنها بعيدة عن الصرخة العالية التي أطلقها المجتمع الدولي، لاستخدامه غاز الأعصاب السارين.
صحيح أن النظام كان في السابق يقصف المخابز في المناطق التي يسيطر عليها الثوار منذ صيف العام الماضي على الأقل، ولكن ما يفعله النظام الآن شيء أكبر من ذلك بكثير، وهو إحداث مجاعة بين السكان. لا يمكن إدخال كيس خبز واحد من خلال نقاط التفتيش التي أقامها النظام، إلى المناطق التي لا تقع تحت سيطرته. وقد وصف أحد التقارير التي صدرت أخيراً مشاهدة جندي مهموم من جنود الأسد وهو يحرس إحدى نقاط التفتيش في دمشق، يُخبر ولداً كان يتوسل إليه للعبور وفي يده كيس من الخبز، وأنه قال للولد: ''إن من يعملون هذه القوانين هم أكبر مني ومنك، وهم يراقبوننا الآن''.
قال أحد الذين تم إخلاؤهم من منطقة المعظمية - وهي واحدة من الضواحي التي قصفت بالغاز في آب (أغسطس) الماضي-: لقد حرمونا من الخبز مدة تسعة أشهر.
وأثناء ذلك يحضّر الأسد طريقة لتشكيل شرعيته مرة ثانية. كانت الطريقة المناسبة لكي يتجنب عواقب استخدامه غاز الاعصاب، هي ربط نفسه بنوع من العقود متوسطة الأجل لتفكيك قدراته الكيميائية، ودخوله في عملية مفاوضات لا معنى لها حتى الآن. بدا أن خصومه الدوليين تمكنوا من تحويل مأزق ديناميكي إلى مأزق يحابي أتباع الأسد، وهو وضع لا يوصلهم فقط إلى منع العون الإنساني بشكل متعمد، ولكن أيضاً إلى منع ما يُبقي الناس على قيد الحياة.
في الأسبوع الماضي قالت مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة غير حكومية مقرها بروكسل: إن النظام أصبح يركز حصرياً على صراع لأجل البقاء، وهو لم يعد يعامل قطاعاً واسعاً من سكانه على أنهم سكان مدنيون ومواطنون، ولكنه يعتبرهم أعداءً يجب تدميرهم بكل الوسائل وبأي ثمن''.
وأثناء ذلك ينخرط جون كيري وزير الخارجية الأمريكي في جولة طويلة حول الشرق الأوسط، أحد أهدافها الحصول على دعم للمؤتمر المقدر له أن يعقد في جنيف حول سورية، وأيضاً لرأب الصدع مع الحلفاء العرب في السعودية ومصر.
الجولة تحكي كثيرا عن مكانة الولايات المتحدة في المنطقة، وحتى زيارته القاهرة لم يعلن عنها، حتى أصبح في الطائرة وهو متوجه إليها. وقبل نزوله في أرض المطار، ذكَّر نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري الولايات المتحدة، بأنه مهما كانت النتيجة التي سيؤول إليها جَيَشان الربيع العربي، فإن: ''على العالم أن يتعامل بعد الآن مع الشعوب العربية، وليس مع الحكومات العربية''.
ومن المرجح ألا تغفر الشعوب العربية لأي أحد عدم تدخله لإيقاف هذه الكارثة، التي تهدد الآن بإغراق السوريين. خلُصت مجموعة الأزمات الدولية في بيانها إلى أنه: ''لو تغيرت الأجواء الدبلوماسية والسياسية بشكل يكفي لتقديم تنازلات حتى لو كان حدوثها بعيداً جداً، فإن أي معيار لهذا التغير، هو تحقيق تقدم سريع وملموس على الجبهة الإنسانية''. أي عملية دبلوماسية لا تصر بشكل مفتوح وصريح على الوقف الفوري للمذابح الصامتة الجارية حالياً على يد النظام ضد الشعب في سورية، لا تزيد على ما يوحي به اسمها: أي عملية فحسب، ولا شيء غير ذلك.
( المصدر : فاينانشال تايمز 2013-11-10 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews